هاشتاغ-مازن بلال
تتراكم المؤشرات على إمكانية ظهور عملية لترتيب العلاقة بين دمشق وأنقرة، وتبدو التصريحات التركية الأكثر وضوحا وذلك في سباق مع الوقت؛ فكلما اقتربت الانتخابات التركية أصبحت المنافسة أصعب وخصوصا في الملف السوري، لكن مسألة هذه “العلاقة” تتجاوز الحالة الداخلية التركية أو حتى السورية لأنها مرتبطة بترتيب منظومة الشرق الأوسط عموما، وبخلق توازن بين التطورات التي تشهدها منطقة الخليج وشرقي حوض المتوسط بشكل يشمل تركيا وسوريا ولبنان وحتى “إسرائيل”.
قدمت الأزمة السورية حالة من “احتراق” الأدوار، وأدى هذا الأمر لابتعاد دول الخليج التي دخلت مبكرا في الصراع، حيث بقيت “الحملة الإعلامية” قائمة لكنها في أكثر مراحلها هدوءً، فالمحور اليوم هو التعامل مع الدور الإيراني فقط، وبات ربطه بسورية أكثر مرونة وذلك مع وصول الأزمة السورية إلى إشكالية “إقليمية” بكل المعايير، وهذا الأمر حدد اللاعبين السياسيين بشكل مختلف فالنظر اليوم على مستوى الواقعية السياسية يتحدد بمعادلة ربما لا تحوي “الحكومة والمعارضة”، إنما بتوازن بين العواصم التي دخلت في الصراع منذ عام 2011.
تبدو أنقرة الأكثر حساسية لنوعية العلاقات الإقليمية التي تبدأ بالجوار الجغرافي لها، فالعودة إلى الحوار مع دمشق وفق التعبير التركي جوهري لصياغة مشروع تركي – روسي للمنطقة، وأي حلول أخرى هي احتمالات خطرة وغير محسومة بالنسبة لأنقرة، فالموضوع الكردي بعد انزياحه باتجاه إيران أصبح أكثر من هم محلي، وفي نفس الوقت فإن معظم الحلفاء الغربيين لا يملكون تصورا لأي مشروع يمكن أن يرضي تركيا ليس في الموضوع الكردي فقط بل أيضا تجاه تعاملها مع الناتو في ظل الحرب الأوكرانية.
باقي الأطراف داخل الأزمة السورية تترقب الترتيبات التي ستأتي من موسكو أو أنقرة، والأهم درجة التركيز الأمريكي على أي تحرك لإخراج الوضع السوري من الأفق المسدود، ففي ظل الانقسام الدولي الحاد لن تنظر واشنطن إلى أي ترتيب جديد إلا من زاوية توسع الدور الروسي أو تقلصه، رغم أن ظهور أي حل في سورية يمكن أن يخدم الإدارة الأمريكية بنقطتين:
– الأولى مرتبطة بإيران لأن أي ترتيبات لمنظومة الشرق الأوسط ستؤدي لـ”قوننة” الدور الإيراني، فتضخمه وفق كافة الادعاءات ظهر مع الحرب في سورية وقبلها في الصراع مع “إسرائيل” في لبنان، وعموما فإن التدخل العسكري الأمريكي في العراق هو الذي منح طهران ممكنات الدور الإقليمي الذي تتحدث عن الولايات.
إن تحديد الأدوار الإقليمية سيقلص الصراعات إلى حد كبير ويساهم في جعل الملفات العالقة، وعلى الأخص فيما يتعلف بملف إيران النووي، ضمن أولوية دولية لا تتأثر باحتمالية النزاعات في المنطقة، ويسهل في نفس الوقت ترتيب الملف العراقي بالنسبة للولايات المتحدة وتحديد المهام العسكرية لأماكن تواجدها على الحدود العراقية السورية.
– الأمر الثاني يرتبط بدور موسكو التي تخوض حربا ليس في أوكرانيا فقط، إنما على مستوى النظام العالمي عموما، فاختبار إعادة رسم منظومة الشرق الأوسط عبر مشروع روسي – تركي سيفتح هامشا لدخول واشنطن على هذا الموضوع، بحيث تكون الأزمة نقطة تماس سياسي تفتح أبواب التحول نحو مبادرات دبلوماسية بين الكرملين والبيت الأبيض.
تعرف الولايات المتحدة أن إدارة اللعبة السياسية ممكنة من بوابة الشرق الأوسط، لكنها في نفس الوقت لا تريد الدخول بمغامرة دولية غير محسوبة في ظل صراعها مع موسكو، وهي نادرا ما تعلق على إمكانية رسم علاقات شرق أوسطية جديدة بوجود دمشق ضمنها، إلا أن الأزمة الإقليمية بالنسبة لها ما تزال عملية إنهاك للجميع وهو ما يدفع الروس والأتراك إلى التعامل مع هذا الملف بشكل متسارع لأنه سيوجد بوابة سياسية جديدة.