الخميس, ديسمبر 26, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارتعليم المدارس لا يكفي.. نار الدروس الخصوصية تحرق جيوب العائلات السورية

تعليم المدارس لا يكفي.. نار الدروس الخصوصية تحرق جيوب العائلات السورية

هاشتاغ – حسن عيسى

في ظل واقع اقتصادي ومعيشي متدهور في سوريا، باتت ظاهرة الدروس الخصوصية تنتشر انتشاراً لافتاً بين طلاب الشهادات وغير الشهادات على حد سواء.

الظاهرة التي كانت فيما مضى مقتصرة على طلاب الثانوية العامة، باتت اليوم تشمل حتى المراحل الانتقالية، ما أثقل كاهل الأسر السورية التي تجد نفسها أمام ضرورة دفع مبالغ كبيرة لتأمين تعليم إضافي لأبنائها.

وبينما يشير البعض إلى تدني أجور المعلمين كسبب رئيسي لهذه الظاهرة، يرى آخرون أن الدروس الخصوصية أصبحت تجارة تستنزف جيوب العائلات من دون تقديم قيمة تعليمية مضافة.

40 ألف ليرة للساعة.. والتعليم لمن يدفع أكثر

تتحدث أم ابراهم، وهي أم لثلاثة أطفال، عن معاناتها مع تكاليف الدروس الخصوصية قائلة: “ابني في الصف التاسع، والمدرس يطلب 40 ألف ليرة مقابل ساعة واحدة. هذه المبالغ غير معقولة، لكننا مضطرون لدفعها لأن ابني لا يفهم شيئاً من الحصص المدرسية”.

وتضيف: “حتى أطفالي في الصف السادس والثالث يحتاجون لدروس خصوصية لأن المناهج أصبحت صعبة جداً ولا أملك الوقت أو القدرة لتدريسهم”.

هذا الواقع لا يقتصر على أم ابراهيم فقط، فالكثير من الأهالي يشتكون من تكاليف الدروس الخصوصية التي تضيف عبئاً إضافياً إلى أعباء الحياة اليومية.

في حين أن بعض المدرسين لا يكتفون بتقديم الدروس لعدد محدود من الطلاب بل يقومون بتدريس مجموعات كبيرة أشبه بالصفوف المدرسية النظامية، لكن مع فارق واضح: “التكلفة على عاتق الأهالي”.

المعلمون: رواتبنا تدفعنا لإعطاء الدروس الخصوصية

من جهته، يعترف أبو عمار، وهو معلم رياضيات في إحدى المدارس الثانوية بدمشق، بأنه يلجأ إلى الدروس الخصوصية لتحسين دخله.

ويقول لـ “هاشتاغ”: “راتبي بصفتي معلماً لا يتجاوز 500 ألف ليرة سورية، وهذا المبلغ لا يغطي حتى احتياجات عائلتي الأساسية. اضطررت لإعطاء دروس خصوصية لتأمين مستلزمات الحياة”.

ويضيف: “لكن هناك سوء فهم. ليس كل معلم يعطي دروساً خصوصية يبتز الأهالي. البعض منا يحاول تقديم جودة أفضل بسبب ظروف الصفوف المدرسية المكتظة ونقص الإمكانيات”.

الأهالي بين نارين.. تكلفة باهظة ومستقبل مجهول

بينما يحاول الأهالي تأمين مستقبل تعليمي أفضل لأبنائهم، يجدون أنفسهم بين نار التكاليف الباهظة والضغط النفسي لضمان تفوق أبنائهم.

يقول أبو علي، وهو موظف حكومي: “لدي أربعة أطفال في مراحل دراسية مختلفة. أعطي نصف راتبي للدروس الخصوصية، والنصف الآخر لا يكفي للعيش”.

ويضيف في حديثه لـ”هاشتاغ”: “لم أكن أتخيل أن التعليم سيصبح تجارة بهذا الشكل. نحن مضطرون لأن المدرسين لا يقدمون شيئاً يُذكر في الحصص المدرسية، والمناهج معقدة للغاية”.

وجهة نظر الوزارة

يرى راغب الجدي، مدير التعليم في وزارة التربية، أن انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية في سوريا مرتبط ارتباطاً كبيراً بالنظرة المجتمعية التي تركّز على تحصيل درجات عالية في الامتحانات، وهو ما يدفع الأهالي إلى البحث عن وسائل إضافية لدعم أبنائهم.

وأضاف الجدي في حديثه لـ “هاشتاغ”: “لا شك في أن تحصيل الدرجات جزء مهم في نظام القبول الجامعي أو الترشح للثانويات، لكنه ليس الغاية الأساسية التي تعتمدها وزارة التربية. هدفنا الرئيسي هو تمكين الطالب من الحصول على معرفة متكاملة وشاملة، وتنمية قدراته العقلية والمهارية، بما يؤهله للتعلم في المراحل اللاحقة والانخراط الفعّال في سوق العمل”.

وأشار الجدي إلى أن نقص الكادر التدريسي في بعض المواد قد يكون أحد الأسباب التي تدفع الطلاب نحو الدروس الخصوصية، لكنه أوضح أن الأمر لا يصل إلى حد النقص الحاد.

وقال: “هناك نقص في بعض الكوادر، خاصة في مواد معينة، ونضطر في بعض الأحيان للاستعانة بمعلمين وفق نظام الساعات، من بينهم خريجون جدد أو غير متخرجين بالكامل، وهذا قد يؤثر في جودة إيصال المعلومة. ومع ذلك، العملية التعليمية لا تقتصر على التلقين والحفظ، بل يجب أن تكون تجربة تعليمية متكاملة تعتمد على التفكير والتحليل”.

واعتبر الجدي أنه من حق المدرس الذي يعتمد على التدريس بوصفه مصدر دخل رئيسي أن يبحث عن تحسين وضعه المادي، لكن ذلك يجب أن لا يكون على حساب جودة التعليم داخل المدرسة.

وأشار إلى أن وزارة التربية تقدم بدائل للطلاب الذين يعانون من ضعف التحصيل، مثل المنصات التربوية المجانية والدورات المدرسية الرمزية بالتعاون مع نقابة المعلمين و”اتحاد شبيبة الثورة”.

وحول تأثير الدروس الخصوصية في التحصيل العلمي، قال الجدي: “هناك فكرة خاطئة لدى البعض أن الدروس الخصوصية تضمن التفوق. بخلاف ذلك، نرى أن معظم الطلاب المتفوقين يعتمدون على التزامهم المدرسة وتفاعلهم مع معلميهم وزملائهم، إذ يحصلون على معرفة متكاملة بدلاً من الاعتماد على الحفظ الذي تقدمه الدروس الخصوصية. التعليم عملية تراكمية، والدروس الخصوصية لا تُسهم في بناء فهم عميق وشامل لدى الطالب، بل تقدم معلومات جزئية تهدف إلى تحسين الدرجات فقط”.

وأضاف: “الاعتماد المفرط على الدروس الخصوصية يؤدي في كثير من الحالات إلى تكاسل الطالب واتكاليته على المدرس الخاص، مما يُضعف حافزه للاجتهاد ويؤثر سلباً في تحصيله”.

فيما يتعلق بموقف الوزارة من الدروس الخصوصية، أوضح الجدي أنها ظاهرة غير قانونية وتفتقر إلى إطار تنظيمي، مؤكداً: “الدروس الخصوصية غير شرعية، ولا يوجد قانون يسمح بترخيصها أو تنظيمها”.

وأكد الجدي أن الوزارة لا تسعى لمحاربة المدرسين، لكنها تسعى لحماية المتعلمين من تأثير هذه الظاهرة في العملية التعليمية، لافتاً إلى أن شرعنة الدروس الخصوصية ستؤدي إلى خلل كبير في النظام التعليمي.

كما أكد وجود لجان ضابطة عدلية تعمل في جميع المحافظات لضبط المعلمين الذين يقدمون دروساً خصوصية خارج الأطر القانونية، ويتم إحالة المعلمين المخالفين إلى اللجان المختصة في مديريات التربية.

وختم الجدي حديثه بدعوة الأهالي إلى التعاون مع الوزارة لتحسين جودة التعليم بدلاً من اللجوء إلى الدروس الخصوصية، وذلك من خلال تقديم الملاحظات التي تخص مناهج معينة أو مادة معينة أو حتى مدرسين.

مقالات ذات صلة