هاشتاغ-خلدون الموقّع
بعد أن تحدثتُ مؤخراً عن السياسة الاقتصادية/المالية وعن عدم جدوى سياسة تثبيت سعر الصرف القائمة في ظل الارتفاع المضطرد للأسعار في الأسواق، ذهب البعض لطرح فكرة تعويم الليرة السورية كحل اقتصادي/مالي. وقد سئلت عن رأي بهذا الحل، وأود أن أورد هنا رأيي بمزيد من الإحاطة:
في ظل إجراءات السياسة الاقتصادية/المالية القائمة حالياً على مبدأ الحد والتقنين من الاستيراد؛ من خلال إجراءات وآلية “منصة”، أقل مايقال فيها إنها غدت مبعث قلق في الشكل والمضمون للصناعي والتاجر للاستمرار في عمله، وعائقا أمام تحقيق الدوران الطبيعي للعجلة الاقتصادية، مما أدى إلى شح المواد في الأسواق وارتفاع مضطرد للأسعار فشلت هذه السياسة والآلية في منعه أو معالجة أسبابه، وأدت لغياب التنافسية السوقية التي يعول عليها في تنزيل الأسعار.
إنها سياسة ستأخذ بنا إلى حالة احتكارية(صناعية/تجارية) سيكون البقاء في ظلها للأقوى وسيبتعد ويُستبعَد الأضعف فالأضعف، سياسة مسؤول عنها بشكل أساسي وللأسف، رجال أعمال أتيح لهم تولي مواقع المسؤولية.
ضمن هذا الواقع، فإن التعويم للعملة السورية الخالص أو الحر(الذي لاتتحكم فيه الدولة والمصرف المركزي) هو اليوم أمر سيء جداً وغير وارد، أما التعويم الموَّجه(الذي تتحكم فيه الدولة عبر المصرف المركزي) فسيغدو في ظل هذا الانسداد من التنافسية السوقية كمن يضخ الماء في بالون فينتفخ، وكذلك تنتفخ الأسعار في الأسواق بارتفاعات شديدة .
لذا، فالتعويم الموجَّه يجب أن يمهد له وتسبقه إجراءات ومناخ وآليات اقتصادية/مالية أساسها فتح الاستيراد أمام المنتجات ومستلزمات الإنتاج التي تحقق الإنتاج الأكبر للمصانع القائمة والعاملة حالياً، مستفيدين بشكل رئيسي من أموال السوريين ورساميلهم الضخمة في الخارج لتمويل هذه المستوردات، مما يوفر للأسواق حاجتها ويحد من التهريب ، كما يؤدي لمنافسة مطلوبة تساهم في امتصاص قدر هام من صدمة التعويم التي بلا شك ستتعرض لها الأسواق مؤديةً إلى موجة ارتفاع في الأسعار بادئ الأمر، ولكنها ستخمد وتستقر مع تطبيق إجراءات اقتصادية/ مالية جديدة، وبآلية براغماتية لا تعيق استمرار الانسياب المطلوب والمطمئن (للتاجر والصناعي) للمنتجات ومستلزمات الإنتاج .
في وضعنا وظروفنا الحالية، فإن الأجدى اليوم أن يتمتع سعر الصرف بالمرونة اللازمة التي تحقق التفاعل الإيجابي مع حركة الأسواق وبصيغة يضبطها ولا يبتعد عنها، في ظل مظلة تحرص على التوازن بين السياسة الاقتصادية والمالية، متجاوزين مايلوّح لنا به أصحاب السياسة القائمة بفوبيا مضاربة ستنشأ في حال أي تغيير، متناسين ،لجهل أو جهالة، ماهو قائم اليوم أصلاً من واقع مضاربة لأموال التهريب واقتصاد الظل، اللذين ينشطان في تأمين حاجة الأسواق والنقص فيها.
وبالعموم، فإن التعويم الموَّجه، في ظل منع الاستيراد أو تحديد متغير لعملية الاستيراد ، سيدفع حتماً إلى فقدان مواد من الأسواق وارتفاع للأسعار.
لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
ومن الضروري الإشارة إلى حقيقة أن الوصول للأثر السلبي الأقل والتحكم في عملية التعويم الموَّجه، يتأتى من سيطرة المصرف المركزي على الكتلة النقدية الأكبر من العملة السورية( وليس العملة الصعبة)، حيث كلما كانت هناك كتلة أكبر تحت سيطرته، كلما كان الأثر السلبي الذي يحدثه التعويم أقل، والعكس صحيح.
ولكن أرى أن تغيير العملة في مرحلة الاستقرار القادم حتماً هي أحد الحلول اللاحقة، لتتمكن الدولة والمصرف المركزي من حصر والسيطرة على كتلة العملة السورية ضمن الإطار الوطني والتحكم بقيمتها.
المطلوب أن نجتهد ونقدم مالدينا، ولا بأس أن نخطئ أو نصيب كوننا نعول على نقاش اقتصادي يقوم على الغيرة والمحبة لوطن يستحقها، للوصول للحلول الأفضل التي تسهل وتدعم بالمحصلة الحياة الاجتماعية/المعيشية للمواطن السوري الذي عنده بالنهاية يحدد الخطأ والصواب.
*رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر.