هاشتاغ-نضال الخضري
نبحث عن سردية أبدية يمكن نقلها إلى جيل لم يشهد من الزمن سوى البحث عن نقطة بداية، ويحاول أن يرسم أفقه في بلاد يستطيع حرق ذاكرة العجز المعلق على ظهره، وربما يريد مداعبة الدقائق التي تمر عليه بهدوء ودون التوتر الذي اعتاد عليه طوال عقد كامل، فهناك معادلات باتت مستحيلة، وأرقام لا يمكنها أن تتراكم لتجعل الأجيال القادمة قادرة على ملامسة شغف الحياة، فلا البحث عن الفرص يمكن أن يدفعه لحسابات جديدة، ولا التصورات مهما كان نوعها قادرة على كسر احتمالات الشقاء.
في الذاكرة المثقوبة لسورية يكرر الآباء حديث “التدبير” الذي قادهم لبناء أسرة، وبكل الشقاء المتوقع فإن الذاكرة فيها بعضا من أشكال التحدي والانتصار، ولكن معادلة “التدبير” تبدو عبثية لأجيال لا تنحصر مشكلتها في فرص العمل بل في القدرة على مطاردة ساعات النهار، ثم التفكير بأن كل الأرقام المتاحة لا تلبي احتياج اليوم القادم.
كما تعمل الذاكرة المثقوبة على كسر حاجز الانتماء الذي يتغنى به الآباء والأجداد، فتنتهي الثقافة التي كانت تعمل على رسم الصور لكل من عبر على المسار السوري، وينتهي درب الجمال المفقود بالنسبة لكل الأجيال التي عاشت تكرار الأزمة السورية، فليس شرطا أن تكون يافعا أو شابا حتى تنتهي عند السردية السورية، لأننا فقدنا ملامح تجعل من الوطن ممكنات وليس مجرد تجريدا لتاريخ أو ميثولوجيا.
كل الشعوب عاشت “مساحة الرحيل”، والبحث عن أفق مختلف عما اعتادوا عليه في الزمن الصعب، وبقيت “سردية الوطن” حالة مستقلة لا تحتاج إلى تكسير وإلى رسم أوهام أو حتى الدوس على الرموز، فاحتياجات البقاء تبدو أقوى وتجعل الرحيل أو الهجرة شأنا عاما، لكن “سردية الوطن” يمكنها أن تبقى دون مزاودات، أو جعل رغبات الشباب صورا للانتقام لوطن يكتسب معناه بجهود أبنائه.
هناك خلل لا علاقة له بـ”السردية” إنما بأوهام عن “الزمن الجميل”، و “التراث” الذي يعبق بالبطولة، فـ”سردية الوطن” علاقة بقاء تحمل معها كل الاحتمالات من الهجرة إلى العودة والمعاناة، وفي كل مفصل هناك وجوه نقابلها ونبني معها تصورات متداخلة.
لا يتحمل المستقبل أي “فكرة خلاص” لأن هذا الأمر هو في العلاقة التي تظهر في كل لحظة، فتدفع البعض للبقاء أو الرحيل، فيبقى التاريخ في مساحته الحقيقية ولا يتحول “الانتماء” إلى مجالدة وصراع محموم بين الإيديولوجيات، فالشباب الراحلون أو المهاجرون يمكن أن يحملوا معهم سردية أوطانهم إذا أصبحت ثقافة سلسة وليس تحد ينهك الأعصاب.
يصعب على السوريين إيحاد تفاصيل جديدة في حياتهم المكسرة، فلا التدبير ولا الادخار قادر على رسم ملامح جديدة، وإذا أصبح الرحيل مزودا بـ”سردية” غير قهرية عن وطن سيبقى مهما كان البعض ساخطا، فإن الهجرة ستغدو استثمارا لأنها ستعيد لسورية جدلية البقاء رغم كل الأزمات، وعندها ستجتمع الذاكرة وستجعل من الزمن السوري رواية غير متأثرة بالهجرة أو الأزمات التي تدفع الأجيال للبحث عن شغف خارجها.