نشرت مؤسسة الأبحاث والتطوير الأمريكية (راند) تحليلاً بعنوان “سعي الصين للتفوق العالمي”، في نحو 250 صفحة.
وركز التقرير في أمور ثلاثة، وهي أولاً، أن يكون بمنزلة أداة للتخطيط من خلال عرض الاستراتيجيات الدولية والعسكرية، التي يمكن أن تتيح للصين التفوق على الولايات المتحدة، وثانياً، توعية الرأي العام بشأن استراتيجية الصين وعملياتها في مجال السياسة، وثالثاً، السعي لتشجيع مزيد من المناقشات العامة بشأن طبيعة التنافس ومخاطره.
الاستراتيجيات الدولية والعسكرية
وتسعى الاستراتيجية الدولية للصين إلى ترسيخ تفوقها في منطقة آسيا- المحيط الهادئ، وقيادة النظام الدولي، وذلك عبر طرق سلمية، على الرغم من أنها لا تستبعد إمكانية وقوع أزمات ذات طابع عسكري، أو حتى نزاعات محدودة النطاق، مثل الحروب في الوكالة.
وجوهر الاستراتيجية المقترحة هو الاعتماد على قوة الصين الاقتصادية والمناورات الدبلوماسية لوضع بكين في مكانة متميزة، لا يمكن للولايات المتحدة اقتلاعها منها. وهناك استراتيجية عسكرية تكميلية تهدف إلى تقييد قدرة واشنطن على منع الصين من التفوق عليها، وذلك من خلال بناء جيش صيني متفوق يؤكد أن مخاطر مواجهته في أي صراع عسكري ستكون كبيرة للغاية.
وإحدى المسؤوليات العسكرية الصينية الرئيسة تتمثل في دعم الجهود الدبلوماسية لتهيئة ظروف دولية مواتية من خلال إقامة علاقات أمنية قوية مع الدول، التي تتعامل معها، وتشويه، أو إضعاف، جاذبية الولايات المتحدة كبديل للصين.
ومن النتائج، التي توصل إليها التحليل اعتراف السلطات الصينية بحتمية التنافس مع الولايات المتحدة، لكنها ترفض فكرة أن الصراع أمر حتمي. ولن تكون قيادة الصين الدولية مماثلة كثيراً لأشكال القيادة التي مارستها دول كانت تتمتع بالقيادة العالمية في السابق، وستتسم القيادة الدولية الصينية، التي ستمارس هيمنة عالمية جزئية تتركز أساساً على منطقة أوراسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، بالاعتماد على التمويل، والتواصل الدبلوماسي، والمساعدات الأمنية، لممارسة النفوذ مع الحفاظ على وجود عسكري متواضع في الخارج.
ومن ناحية أخرى، من الممكن أن تكون عواقب نجاح الصين في التنافس الاستراتيجي شديدة بالنسبة للولايات المتحدة، إذ إنه في حالة عدم قدرة أمريكا على إزاحة الصين من طريقها، من الممكن أن تواجه احتمالات اقتصادية متضائلة، وتهميشا دولياً، وقدرة ضعيفة على تشكيل الأمور العالمية.
التنافس الصيني الأميركي
ومن التوصيات، التي قدمها التحليل الحاجة إلى مزيد من الاهتمام بالطرق الابتكارية الكثيرة، التي يمكن من خلالها أن توجه الصين العمل العسكري لتحقيق مزايا تتعلق بالمواقع في أي تنافس طويل المدى، كما يتعين أن تهدف السياسة الأمريكية إلى إضعاف قوة الانتقادات الصينية من خلال إظهار القيادة الأمريكية الفعالة، سريعة الاستجابة، وبالتالي يتم الحد من الحافز الذي يدفع الدول الأخرى إلى دعم جهود بكين لتجديد المنظمات الدولية بطرق تلحق الضرر بالمصالح الأمريكية.
كما تضمنت التوصيات حاجة وزارة الدفاع الأمريكية إلى الحفاظ على وجود كبير في الشرق الأوسط كوسيلة لتعزيز موقف الولايات المتحدة في منطقة آسيا- المحيط الهادئ، وسيصبح التنسيق الأوثق بين الاستراتيجيات التنافسية داخل منطقة الهند- الباسفيكي وخارجها أمرا أكثر أهمية.
وأكدت التوصيات أنه من الممكن أن يساعد وضع استراتيجية تشمل درجة ما من الطمأنة والتعاون في استقرار التنافس، والحد من أخطار الحسابات الخاطئة والحوادث الخطرة، وأنه لتعظيم الردع وحماية المصالح الأمريكية، يتعين أن يكون هناك قدر أكبر من التنسيق بين أبعاد السياسة الدفاعية والخارجية لأي استراتيجية تنافسية.
وخلص معدو التحليل إلى أنه أبرز للحكومة ووزارة الدفاع الأمريكية الأهمية الدائمة لتحالفات وشراكات الولايات المتحدة، وأن الصين تدرك أن هذه الشبكة من التحالفات والشراكات ميزة استراتيجية هائلة للولايات المتحدة، وتسعى إلى أن تكون لديها شبكة مثلها.
مشروع قانون أميركي لمنافسة الصين
يذكر أن مجلس الشيوخ الأمريكي، أقر مشروع قانون يقضي بتخصيص استثمارات كبيرة في العلوم والتكنولوجيا، وعد نصاً “تاريخياً” للتصدي اقتصادياً للصين ولنموذجها الذي تصفه بـ”الاستبدادي”.
وفيما اتهمت بكين واشنطن بالمبالغة فيما يسمى “التهديد الصيني”، ترصد هذه الخطة أكثر من 170 مليار دولار لأغراض البحث والتطوير، وترمي خصوصاً إلى تشجيع الشركات على أن تنتج على الأراضي الأمريكية أشباه موصلات تتركز صناعتها حاليا في آسيا.
وأقرت الخطة بتأييد 68 سيناتور ومعارضة 32 ويفترض أن يتم تبنيها نهائياً في مجلس النواب في موعد لم يحدد بعد، ثم يوقعها الرئيس جو بايدن.
ورحب الرئيس الديمقراطي، البارحة الأولى، بتبني النص في مجلس الشيوخ، مؤكداً أن الولايات المتحدة “تخوض منافسة لكسب القرن الـ21”.
وتخوض الصين حربا اقتصادية مع الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، وتشكل واحدة من القضايا النادرة، التي تابعها الرئيس الديمقراطي بعد سلفه الجمهوري، وهي تحظى بإجماع واسع في الكونجرس.
شارك في إعداد التحليل الدكتور تيموثي هيث، وهو باحث دولي بارز في المؤسسة، وحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة جورج مانسون، ودريك جروسمان، والمحلل العسكري البارز في “راند”، الذي عمل سابقا بجهاز الاستخبارات الأمريكية، وهو أستاذ مساعد في جامعة كاليفورانيا الجنوبية.