هاشتاغ – حسن عيسى
تعيش بعض الأسواق في دمشق، مؤخراً، حالة من الفوضى غير المعلنة، حيث يحدد سعر صرف الدولار ملامح السوق أكثر مما تفعل القوانين.
قبل أيام، حين شهدت الليرة السورية ارتفاعاً مؤقتاً أمام الدولار، اختفى بعض مندوبي المبيعات عن أسواق محددة، تاركينها دون إمدادات كافية من السلع الأساسية.
أما اليوم، ومع ارتفاع سعر الصرف مجدداً، عاد أولئك المندوبون أنفسهم، وملأت بضائعهم الرفوف مجدداً، وكأن السوق يتحرك وفق أجندة خاصة لا علاقة لها بحاجات المستهلكين.
الظاهرة، التي لاحظها كثيرون، أثارت تساؤلات حول آلية توزيع السلع في الأسواق، والدور الذي يلعبه مندوبو المبيعات في التحكم بتدفقها.
وما بين تصرفات المندوبين، وسياسات الشركات، ومعاناة التجار، تبقى الأسواق رهينة تقلبات سعر الصرف، التي لا يتحكم فيها سوى قلة قليلة من اللاعبين الكبار.
وبينما يعاني المستهلك من نقص المواد خلال فترات انخفاض الأسعار، يجد نفسه مضطراً لشرائها بأسعار أعلى بمجرد ارتفاع الدولار.
معادلة غير متوازنة.. الربح أولاً
مندوب المبيعات “أحمد”، الذي يعمل لدى شركة توزيع مواد غذائية كبرى، لا يخفي الحقيقة، ويقول بصراحة لـ “هاشتاغ”: “حين انخفض سعر الدولار، لم أعد أذهب إلى الأسواق الشعبية، بل ركزت على المحال التي تشتري مني بكميات كبيرة. كنت بحاجة للحفاظ على نسبة الأرباح التي أحصل عليها من المبيعات اليومية، والأسواق الصغيرة لم تكن مغرية في تلك الفترة.”
ووفقاً لأحمد، فإن المندوبين غالباً ما يتخذون قراراتهم بناءً على معادلة دقيقة، كلما قلّ هامش الربح، كلما كان التوزيع انتقائياً، ويضيف: “المحال الكبرى لديها سيولة، ويمكنها تحمل أي تغيير في الأسعار. أما الأسواق الشعبية، فهي أكثر حساسية، والبيع لها خلال انخفاض الأسعار يعني أرباحاً أقل لي وللشركة التي أعمل بها”.
محدودية الكميات.. سبب آخر للغياب
لكن ليس كل مندوبي المبيعات اعتكفوا عن الأسواق لنفس السبب، فـ “سامي”، مندوب لشركة أخرى، يوضح جانباً مختلفاً من القصة، ويقول لـ “هاشتاغ”: “خلال انخفاض قيمة الدولار لم تمنحنا الشركة الكميات الكافية من المواد، وبالتالي لم يكن بإمكاني توزيعها على جميع الأسواق”.
وبحسب كلامه، فإن بعض الشركات الكبرى تحتفظ بالمخزون خلال انخفاض الأسعار، وتقلل الكميات المطروحة في الأسواق، ما يفرض على المندوبين التركيز فقط على بعض المناطق دون غيرها. “الأمر ليس دائماً بيد المندوب، بل يخضع لقرارات الشركة. وفي فترات كهذه، الأسواق الصغيرة تكون أول المتضررين”، يضيف سامي.
أصحاب المحال.. استياء وتضرر مباشر
في المقابل، فإن أصحاب المحال التجارية، الذين يعتمدون على تدفق البضائع بشكل مستمر، كانوا الأكثر تضرراً.
“أبو كمال”، صاحب محل في منطقة المزة، يتحدث بغضب لـ “هاشتاغ”: “لم أرَ مندوب الشركة منذ أسابيع عندما كانت الأسعار منخفضة، لكن الآن بعدما ارتفعت الأسعار عادوا فجأة، وكأننا كنا ننتظرهم!”.
ويشير أبو كمال إلى أن محله افتقد للكثير من المواد الأساسية خلال فترة غياب المندوبين، الأمر الذي أثر على مبيعاته، وزاد من تذمر الزبائن، ويضيف: “لم تكن هناك أي شفافية. لم يخبرني أحد لماذا توقفت الإمدادات. فقط عندما ارتفع الدولار، أصبح السوق مليئاً بالمندوبين”.
وجهة نظر مختلفة.. “التأقلم مع السوق”
أما “أبو طارق”، صاحب محل آخر في حي البرامكة، فيرى الأمر من زاوية مختلفة: “هذا ليس جديدًا. السوق في سوريا يتحرك وفقًا لموجات الدولار، ونحن تعلمنا التأقلم. صحيح أن غياب البضائع أثر علينا، لكننا كنا نعرف أن الشركات والمندوبين سيعودون بمجرد أن يصبح البيع أكثر ربحية لهم.”
لكنه يشير إلى أن التجار الصغار يجدون أنفسهم في موقف صعب: “المحال الكبيرة يمكنها تخزين البضائع لفترات طويلة، لكن نحن نعمل برأس مال محدود، وعندما لا نحصل على بضائع خلال فترة معينة، نخسر زبائننا”.