هاشتاغ-نضال الخضري
نعيد تعريف الحزن الذي أصبح لونا غير قابل للوصف، ففي سوريا لا تكفينا حروف ثلاثة كي نكتب لوعة ولو عابرة، وما حدث في حمص يبقى جزءا من سردية ناقصة تفتقر لكلمات سقطت في زحمة الحرب، وتشكلت كغبار منسي للغة لم تعد قادرة على خلق تواصل مع عالمنا، فنحن نخلق في كل لحظة ظاهرة تحتاج لإبداع مختلف حتى تنقل ما يموج داخل شراييننا، وحتى لون الدم يصبح بليدا في لحظات يختلط فيها الذعر مع الأسى، ويصبح التحدي تفوقا على الذات التي تلاشت وسط معركة طويلة.
ما حدث في حمص لم تحمله طائرة مسيرة فهو مواجهة مع ثقافة الموت التي تحاول إيجاد مساحة لها داخل نفوسنا، وتريد تشكيل سوريا وفق أهواء لا تقدم أي نموذج لحياة قابلة للاستمرار، فهي ومنذ ثلاثة عشر عاما تكتب شكلا يتلاشى سريعا على أرض لا تستطيع الصمت لأنها تغني للحياة منذ قرون طويلة، وتخط “أناشيد” عن الحياة المحاصرة بالعنف أحيانا وبالتصورات المريضة أحيانا أخرى.
أقرأ المزيد: المحتوى العربي
في كل اللحظات التي رافقت الحرب كانت ذاكرة الحياة تنتعش وسط “الحزن” الذي لم يعد مُعرفا على أرضنا، فهو خليط من الرؤى المتداخلة مع كافة أشكال التحول التي نحياها، ومع الصور الباقية لوجوه نفقدها كل يوم في التحدث مع ثقافة الموت، وربما ننتظر لحظات حتى نستجمع كلمات اللغة كي نعيد التواصل من جديد، ونرمم تلك العلاقة التي تجعلنا نسيجا من حياة مستمرة مع القسوة والحزن الذي تكسر، أو تبدل أمام الصور المتتالية لأي حدث يفاجئنا خلال تفاصيل يومنا.
ربما يستحيل علينا استرجاع كل التفاصيل التي لازمتنا في سنوات الحرب، فتأتي المفاجأة لتفتح مسارا للذاكرة، أو للتحدي كي نجعل الحياة أفقا من جديد، فنحن لم نسقط في هاوية جديدة، ورائحة الموت التي صفعتنا في مدينة حمص كانت حالة نضيفها إلى “ملحمة” البقاء والقدرة على إمساك الحياة وسط رجفة موت عابرة، فهناك صراع طويل يحتاج للغة جديدة كي نضيف فصلا لتلك الملحمة الممتدة من التاريخ إلى المستقبل، ومن سواد يلف البعض إلى رقصة لون تعيد سوريا لبهجة مختلفة.
أقرأ المزيد: قلق اللجوء..
تبقى السردية ناقصة واللغة عاجزة عن إتمام جملة تتخللها وجوه كانت تبتسم للحظة ثم اختفت، لكن أي ملحمة لا تحتاج لكلمات فقط، فهي موجة من “الخيال” الذي يصارع سكونا قاتلا لا يملك أي صورة لفرح الحياة، ويخشى أي جمال عابر لأنه يوقظ الرغبة في إعادة الخلق من جديد، فإذا لفحنا “السواد” للحظة فهو للتذكير بأننا عشاق حياة لا نستطيع اعتياد “الرايات السوداء” ولا أشكال الاختباء تحت عباءات تجعلنا عاجزين عن معانقة الضوء وكسر الرتابة التي يريدها البعض صورة نمطية لنا.
هناك أرواح حلقت بعيدا في سماء حمص، وجعلت صورتنا خليطا من “حزن” يخترق قلوبنا ونبضا يرسم رغبة لكسر الموت الذي يريده البعض ثقافة لنا، وفي مسار سيطول ستبقى الحياة هوية نحملها لنخلق لغة مختلفة وأفقا يضج بمستقبل نريده مختلفا عن الماضي.