هاشتاغ- نضال الخضري
وصلت نانسي بيلوسي إلى تايوان وربما ترحل عنها دون أن نتذكر صورتها، فهذا الحدث الدولي هو “قهر إعلامي” يجبرنا على متابعة ما لا نريد.
أو يحملنا ضمن موجات أخرى إلى تحديات بهلوانية بعيدة عن قيظ آب، وعن دمشق في ساعات المساء حيث الجميع يتلمس الطريق دون ارتباك.
فالعتمة الدمشقية تشكل تاريخا نقلته لنا الدراما عن حارات مغلقة يحمل فيها كل شخص قنديل ليعبر طرقها المتعرجة.
بالنسبة لليوميات الدمشقية هناك مسار للأخبار وآخر بشري، وصور ليبلوسي ومشاهد لحدائق عامة باتت متنفس الجميع.
وهناك أيضا وجوه المحللين الذين يقفزون دون سابق إنذار ليرسموا خرائط ومساحات، وفي المقابل ثرثرة الغلاء التي تعلو ولا تهدأ لنسوة يتزاحمن على مواقف الباصات.
أو لرجال يتنقلون في أرجاء المدينة باحثين عن ظل يقيهم من هدير التفاصيل التي تجتاحهم.
في دمشق لا تبدو صورة نانسي بيلوسي قادرة على اتخاذ موقع في تصورات مجتمع يكتب فصولا من معاناة غير مسبوقة.
ما يؤرق السوريون يمكن معرفته في صفحات التواصل الاجتماعي، بينما تتشكل أمامهم صور غريبة لعالم يتحول وهم غير قادرين على فهم تلوينات ما يحدث.
فهم يحاولون ترتيب احتياجاتهم المتناقصة بالتدريج، ويفشلون في رسم ملامح لعالمهم الجديد.
أو ربما لا يريدون رؤية ما حدث منذ أكثر من عقد، فعالمهم اليوم لا يوحي بأن مدنهم المتعبة كانت في زمن تحتضن أحلام الجميع.
ما حدث ليس مأساة بل شكل من عدم القدرة على استيعاب أن الحياة احتمالات، وأن الرخاء يمكن أن يختفي فجأة بتداعيات غير محسوبة.
فالقسوة أو الشظف استحقاق واجهته المدن السورية بشكل دوري، وتاريخها لا يحمل حالة واحدة، وهو شأن الحياة والحضارات والبشر.
وهو تحدي الوجود الذي يجبرنا على إعادة خارطة قيمنا بشكل دائم، فكل ما يمكن أن نرسمه اليوم هو خربشات على واقع لا نريد الاعتراف به.
كل ما قام به الإعلام (ليس سوري بالضرورة) في متابعة طائرة نانسي بيلوسي هو تذكيرنا بأننا في عالم مختلف.
وأن تحدي تفاصيل حياتنا لا يمكن أن يكون ضمن الثقافة التي نتعامل معها اليوم، ابتداء من عادات العمل وانتهاء بمشاهد إعادة الإعمار التي تشبه التهويمات على مساحة من دمار القيم.
في سورية تنزاح الأزمة لحظة ندرك أن الزمن تبدل ويحتاج أن نتحول مع حقيقة أن مواجهتنا اليوم مختلفة عن الأمس، وأن حالة الملل والتذمر لا يمكنها أن ترسم عوالم مختلفة.
فنخن والحياة صراع مع ذواتنا ومع القيم التي تكتبنا اليوم كملمح تاريخي يصلح للمتاحف وليس للحياة.
ويمكن أن تجعلنا راضين عن تأدية واجبات لم تعد تتلاءم مع مساحات المستقبل.
مهما كان الحدث الدولي فهو شعاع عابر في الإعلام الذي يخلق السرديات المتتالية.
بينما نحمل سردياتنا الخاصة التي ترضي ذواتنا فقط وتبقينا في دائرة الشكوى، ولكن بعيدا عن هذا وذاك ثمّة مستقبل لن ينتظر أحدا لأنه يحتاج للإبداع فقط.