الأحد, أكتوبر 20, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةتوافقات بحكم... الغائب

توافقات بحكم… الغائب

هاشتاغ-نضال الخضري

وفق علوم الفلك لا يمكن رؤية الهلال بعد المغرب، بينما يمكن رصده لفترة وجيزة صبيحة يوم الخميس، وعلميا أيضا ولد القمر صباح آخر يوم صيام ولكن “المجمع الفقهي” في سورية أعلن بدء شهر شوال، ودون أن يتحدث عن ثبوت الرؤيا مثلما اعتدنا عليه كل عيد، وهذا القرار يأتي متوافقا مع إعلان عدد من الدول العربية عن بدء شهر الشوال، وربما لأول مرة هناك اعتماد على مسألة العلوم الفلكية حتى في مسألة الرؤيا.

المسألة تبدو صغيرة جدا في عالم بدأ في منافسة الذكاء الصُنعي، ووسط جدل واسع حول الزمن القادم ومدى خطورة هذا “الذكاء” على التطور بشكل أسرع من المعتاد، لكن مسألة الهلال ورؤيته ليست موضوعا شرعيا فقط بل طريقة تفكير أيضا، فأن نقبل الاحتكام للعلوم الفلكية هو أمر جديد كليا، ومن السابق لأوانه الحديث عن أن هذا الأمر يمكن أن يشكل تحولا في التفكير، لكنه في نفس الوقت يتركنا أمام أسئلة صعبة حول ما نواجهه في عالمنا المعاصر.

الحاجة لتفكير جديد في الأمور الشرعية بات أكثر من ضرورة، فعالمنا إن لم يكن محكوما حتى اللحظة بمنصات الذكاء الصنعي، إلا أنها على الأقل وضعتنا جميعا أمام مفترق سلوكي ومعرفي غير مسبوق، إلا في أزمنة خاصة مثل “اختراع المطبعة” أو ظهور الآلة أو غيرها من التحولات الحادة، فإذا أدت الثورة الصناعية إلى ظهور التجمعات وافتراق الطبقات الاجتماعية، وما تبعها من نظريات سياسية وصراعات واجتياح من قبل الدول الصناعية في العالم، فإن الذكاء الصنعي هو دليل اجتياح العالم من جديد، ولكن من قبل مؤسسات خاصة قادرة على التحكم بالبيانات.

ما وفرته التقنيات الحديثة هو تضخم البيانات، ومن الأكيد أن العالم اليوم محكوم بالعلاقات بين هذه البيانات الضخمة التي يعاد تشكيلها عبر الذكاء الصنعي، وربما تجعل “نمطية التفكير” متقاربة في كافة القضايا، ويمكننا طرح سؤال على كل المنصات مثل chatgpt أو bing أو غيرها لنرى مدى التقارب الذي يخلق تشابها في الآراء في معظم المسائل، وحتى في منهجية البرمجة فإن الذكاء الصنعي يطرح نفس النموذج لحل المسائل البرمجية.

نحن لسنا أمام توحيد كل التصورات الإنسانية إنما في تحدي تطور مختلف يلغي حدود التفكير بين البشر، وهذا الأمر يبدو أنه واقع لا مفر منه، وفي نفس الوقت فإن المؤسسات التي تتعامل مع البيانات ستشكل تكوينا فكريا خاصا بالبشرية، وهذا الموضوع وإن بدى جدليا اليوم لكنه يتطور بشكل متسارع وسط خلافاتنا الفقهية والإيديولوجية وغيرها، ونبدو في أحداثنا السياسية والعسكرية وحتى الفكرية ضمن جزيرة معزولة لا يعنيها “الغزو الفكري” المستجد الذي يرسم عالما مختلفنا عما نألفه.

شهر شوال يبدو بعيدا عن كل الجدل الدائر حول الذكاء الصنعي، ولكن من زاوية أخرى هو يعبر عن قدرة التراث على محاصرتنا بدلا من أن يدفعنا نحو آفاق مختلفة، فرؤية الهلال تم حلها من قبل محمد بن جابر بن سنان بن حران البتّاني، الذي كُني بأبو عبدالله الملقب بـ “بطليموس العرب” وُلد عام 854م بحران، ويُعد واحدًا من كبار عُلماء الفلك والرياضيات، الذي وضع مخطوطات حول تواريخ ظهور القمر “أزياج القمر”، وربما يكون أول فلكي أسس بالعلم تحولا في هذا الموضوع، إلا أننا مع كل شهر قمري نتذكر أن البتاني لم يعش على ما يبدو في عقولنا، ولو أنه عاش لأصبحنا اليوم جزء من المنافسة في الذكاء الصنعي.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة