Site icon هاشتاغ

التقارب السوري التركي المتسارع.. ما فرص التوصل إلى اتفاق؟

هاشتاغ- إيفين دوبا

شهدت الأسابيع الأخيرة تطورات لافتة وسريعة على مستوى العلاقة بين تركيا وسوريا.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مقابلة على متن الطائرة في أثناء عودته من برلين في 8 تموز/ يوليو: “سنوجه دعوتنا للرئيس السوري، وبهذه الدعوة، نريد استعادة العلاقات التركية السورية إلى المستوى نفسه الذي كانت عليه في الماضي”.

وخلال الإدلاء بصوته في انتخابات مجلس الشعب في 15 تموز/ يوليو قال الرئيس السوري بشار الأسد: “نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة، لكن هذا لا يعني أن نذهب من دون قواعد. اللقاء وسيلة ونحن بحاجة لقواعد ومرجعيات عمل. هناك لقاء يترتب مع المستوى الأمني من بعض الوسطاء وكنا إيجابيين”.

وقبل ذلك كانت وزارة الخارجية في دمشق، قد ذكرت أن أي مبادرة للتقارب مع أنقرة ينبغي أن تبنى على أسس واضحة ضماناً للوصول إلى عودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية.

وليست هذه المرة الأولى التي تجرى فيها محاولات لتطبيع العلاقات بين البلدين، لكن المحاولات السابقة باءت بالفشل.

التصريحات التركية المتلاحقة من وجهة نظر النائب السابق في البرلمان السوري، بطرس مرجانة، عبارة عن زخم إعلاني أكثر من مجرد مقترح أو مبادرة قابلة للتنفيذ طالما يتم تجاهل ومخالفة السيادة السورية على أراضيها.

ويؤكد في تصريح لـ”هاشتاغ” أن سوريا لها حق سيادي على كامل الأراضي السورية وهناك مخالفة تركية صريحة لميثاق الأمم المتحدة بسبب احتلال تركيا لأراضي سورية ودعم التنظيمات المصنفة على أنها إرهابية من قبل مجلس الأمن الدولي ما يعني وجود تدخل خارجي من قبل تركيا في شؤون دولة ذات سيادة.

رئيس حركة البناء الوطني، أنس جودة، يقول إنه لا يمكن النظر لهذه الخطوات من باب المصلحة التركية فقط بل هي مصلحة روسية تركية مشتركة، ويمكن عدها من الأولويات المرحلية للدولتين فيما يتعلق بالشرق الأوسط.

ويتابع في تصريح لـ”هاشتاغ”: “فيما يتعلق بالأتراك تعد موازنة التقارب العربي مع دمشق أولوية أساسية تضمن أن تكون تركيا جزءا أساسيا من أي عملية قادمة تتعلق بالتنمية والتعافي في سوريا. فخطط التعافي يتم وضعها على الطاولات اليوم، ولابد من رؤية تحقق ضمان المصالح التركية في الملفات كلها المتعلقة بالبنى التحتية والإعمار وأهمها طرق المواصلات بين الشمال والجنوب”.

وفي هذه النقطة يشير “جودة” إلى نقطة التلاقي الروسي التركي. فروسيا غير موجودة على أي طريق تنمية يتم التخطيط له سواء طريق التنمية العراقي أو الطريق الخليجي الإسرائيلي، لهذا فمصلحة روسيا الأساسية هي إعادة تفعيل الطريق السوري الرابط بين أوروبا والخليج ليكون لها تأثير فيه.

في المقابل قد يكون لتركيا دور كبير في بناء التفاهمات الروسية الأوكرانية في المرحلة القادمة، من وجهة نظر “جودة” وبالنتيجة في المسارات كلها يتم تحقيق مصلحة مشتركة وهي إضعاف النفوذ الأمريكي ومحاولة تحقيق مكاسب في ظل الانشغال الأمريكي بالانتخابات.

وبالفعل، سعت روسيا خلال سنوات الحرب السورية إلى تقريب وجهات النظر مع تركيا. ففي كانون الأول/ ديسمبر 2022 أجرى وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي محادثات في موسكو، في أول اجتماع وزاري بين تركيا وسوريا منذ عام 2011. كما توسطت روسيا في اجتماعات بين مسؤولين سوريين وأتراك العام الماضي.

ويقول “جودة” : “بالمبدأ الأطراف الإقليمية كلها تدعم أي مسار يحقق الاستقرار السوري وضمان التهدئة طبعا مع تفاوت المصالح المباشرة وغير المباشرة، ولكن حاليا من الصعب الحديث عن أطراف معوقة بالكامل خصوصا أن الملفات لم توضع كلها على الطاولة بعد”.

شروط دمشق

يشرح “جودة” أكثر عن شروط دمشق التي يقول عنها إنها ثابتة وواضحة منذ فترة ولم تتغير، وهي تتمثل بوجود إعلان واضح وصريح بأن تركيا ستنسحب من الأراضي السورية حتى لو كان الإعلان مترافقا بشروط معينة، المهم إعلان الانسحاب وقد جرى ذلك بلسان عدد من المسؤولين الأتراك من بينهم وزير الدفاع.

ويضيف: “هناك خطوات طويلة تقنية وسياسية وعوامل بناء ثقة بحاجة للعمل عليها قبل أي لقاء عالي المستوى”.

ويقول “مرجانة” إنه عندما ينصاع الجانب التركي للمواثيق الدولية سيكون هناك بلا شك ارتفاع في وتيرة التطبيع بين سوريا وتركيا.

أين ستحدث اللقاءات؟

لا يمكن الحديث عن لقاءات عالية المستوى اليوم، ولكن يمكن توقع عقد لقاءات تقنية أو سياسية على مستوى وزراء الخارجية من وجهة نظر رئيس حركة البناء الوطني، أما المكان فمتعلق بشكل أساسي بمدى الدور الإيراني في المعادلة وربما تصل الأمور لعقد لقاءات متعددة كل مرة في مكان مختلف على مبدأ المداورة الذي تم اعتماده في أستانا.

في حين، يبدو أن النقطة الأهم الواجب التركيز عليها من قبل تركيا تتعلق بمسألة “حسن الجوار”. بحسب قول النائب السابق في البرلمان؛ إذ لا يمكن الاجتماع في الوقت الحالي بين الرئيسين التركي والسوري حتى ولو دعا الرئيس التركي لذلك طالما هناك خلافات جوهرية وما لم يتم حلحلة هذه المسائل.

ويتابع: “في المرحلة الحالية هنالك لجان سياسية وأمنية تعمل لعقد اجتماعات مكثفة خصوصاً بعد المبادرات العراقية والروسية ومن الممكن في حال تم الاتفاق بعضها بين بعض على النقاط الجوهرية أن تتسارع تلك الاجتماعات أيضا في حال أبدى الجانب التركي الإرادة الطيبة”.

ولا يعتقد “مرجانة” أن أي اجتماع سيتم على الأراضي التركية حالياً. في حين من الممكن أن تكون تلك الاجتماعات في العراق أو روسيا.

ويضيف: “إيران دولة صديقة لسوريا وبالتالي يتم طلب معونتها لإكمال الصبح بين سوريا وتركيا”.

مصالحة ووضع الشمال

في حال تسارعت وتيرة اجتماعات اللجان فإن مسألة اللاجئين السوريين في تركيا والشمال السوري المحتل من قبل هيئة تحرير الشام والفصائل التابعة لتركيا ستضع تركيا أمام الخيارين إذ يمكن لها أن تسحب قسما من تلك الفصائل التي تدعمها إلى أراضيها وتترك القسم الآخر لمصيرهم، بحسب قول “مرجانة”.

ويتابع: “لا شك أن تركيا كانت داعمة لتلك الفصائل وإلا لما وجدت بين جيشها وعلى أراضيها لذا أعتقد أنه سيتم الاتفاق من قبل اللجان الأمنية مع تركيا على تسليم مواقعها للجيش السوري وضمان الأمن والأمان حتى للسكان في تلك المناطق”.

وحول هذه النقطة يقول “جودة” إن الملفات مرتبط بعضها ببعض خصوصاً “هيئة تحرير الشام” و”قسد” ولابد في النهاية من تفكيك المجموعات المسلحة وضمان حصرية السلاح بيد الدولة بعد عملية مصالحة مجتمعية وسياسية، لكن هذه ملفات بحاجة إلى وقت طويل.

 

رد الفعل الأمريكي

لم تترك الولايات المتحدة الأمريكية فرصة لإعلان معارضتها على أي تقارب سوري تركي.

ويقول النائب السابق في البرلمان السوري، إن قانون مناهضة التطبيع تم تجميده في الكونغرس ولن يأخذ مفعوله ولن يتم الأخذ به بسبب الرغبة الدولية لحل الأزمة السورية التركية، وبالتالي فلا أثر يذكر أو دور للولايات المتحدة الأمريكية في حال سار التطبيع بيت سوريا وتركيا.

أما فيما يتعلق برئيس حركة البناء الوطني، فله رأي مختلف حول هذه النقطة، ويقول، إن أمريكا كان عندها مشروع توحيد الشمال وتوحيد جبهات المعارضة وهو ما عارضته تركيا وعملت على إفشاله. اليوم الولايات المتحدة بلا رؤية واضحة فيما يتعلق بالملف السوري، هي فقط تريد ضمان الاستقرار ضمن إطار التعافي، ولم تمانع من أن تعقد قسد اجتماعات في دمشق، ولن تمانع عقد لقاءات تركية سورية، في النهاية لا شيء يضر المصلحة الأمريكية وهي قادرة على التدخل في حال تطور المسار لقضايا أعلى من منطق التعافي.

أين الكرد و”قسد”؟

من أكثر الأمور التي بحاجة إلى توافق بين البلدين ملف الأكراد.

يشير “مرجانة” إلى أن المكون السوري الكردي ليس سعيدا بما تفعله قسد التي بدأت تتلمس على رأسها اليوم ومن المفروض أن يتم بحث اتفاق خاص بها مع الدولة السورية في الوقت القريب.

ويتابع: “معاملة حسن الجوار الذي يجب الاتفاق عليها سريعا مع بداية المفاوضات ستدعم المصالح المشتركة للطرفين ومنها قسد إذ لا يمكن أن يكون هناك كيان يقارع الدولة داخل الدولة ويشكل بحسب ما تدعي تركيا تهديدا لها على أراضيها”.

ويؤكد بالنسبة إلى قسد المرتبطة بالجانب الأمريكي والتي حاولت الاستفادة من ثغرة الاختلاف مع تركيا لا تزال متمسكة بالشروط الأمريكية عل وعسى أن تجد لها حلا

انفتاح ومعابر

قد يساعد الانفتاح التركي في كسر طوق الحصار الاقتصادي الخانق الذي يلف دمشق منذ 2011، إذ أعيد بالفعل فتح معبر “أبو الزندين” الفاصل بين مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا في ريف حلب الشمالي ومناطق الحكومة السورية، على الرغم من احتجاجات سكان بعض المدن الشمالية. كما توجد أنباء عن احتمال فتح معابر إضافية الأمر الذي سيوفر مروراً سلساً للشاحنات والمسافرين من تركيا عبر الأردن إلى الخليج.

ويقول “مرجانة” إن سوريا أنهكت اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وهي بحاجة إلى إنعاش ونهضة على المستويات كافة.

ويؤكد “مرجانة” وجود عدد من المصالح تتلاقى بين سوريا وتركيا يمكن حلها خلال الاتفاقات ومن أهمها فتح الخطوط التجارية بين البلدين.

المهم اليوم، من وجهة نظر “جودة” تعزيز المرونة بين خطوط التماس فيما يتعلق بحركة البضائع والأشخاص والأوراق الثبوتية والعقارية وغيرها من قضايا معاشية وحياتية ويمكن بعدها الحديث عن توحيد الجغرافيا بعملية سياسية.

“تطمينات” لعودة اللاجئين

التحديات الاقتصادية لا تبدو مشكلة تركيا الوحيدة. يعيش اليوم في تركيا ما يزيد على ثلاثة ملايين لاجئ سوري، بحسب وزارة الداخلية التركية. بات هؤلاء عالقين في مرمى نيران الانقسامات السياسية الداخلية، وزادت حدة التوترات والأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة قيصري من أعمال عنف واعتداءات على لاجئين سوريين وممتلكاتهم، الأمر الذي قد يزيد الضغط على أردوغان للتعجيل بإيجاد حل لهذه القضية المعقدة.

ويقول “مرجانة” إن موضوع اللاجئين السوريين يشغل بال تركيا ولديها بعض الترتيبات بعض النظر عما تطلبه أمريكا وتسعى لترتيب أمورها بصرف النظر عن الموافقة الأمريكية ولكن أمريكا ستعطيها الموافقة أخيراً بسبب تسارع الأحداث الأمنية والعسكرية وحتى السياسية بين البلدين.

ويتابع: “اللاجئون السوريين مواطنون سوريون مرحب بعودتهم وسوريا بحاجة إليهم. هؤلاء خلال 14 سنة من الحرب تم فيها تخريب البنية التحتية لمنازلهم ومعاملهم وورشاتهم يحتاجون إلى مساعدة أممية وما يتم دفعه لهم في دول اللجوء يجب دفعه إلى سوريا ونحن جاهزون لاستقبالهم”.

Exit mobile version