هاشتاغ | نضال الخضري
الحديث عن الزلازل لا يحمل سوى مقاربات يمكن نقلها من منصات التواصل الاجتماعي، فهو حدث حيادي يبدأ وينتهي في عمق الأرض التي على ما يبدو “تتمطى” أحيانا، وتتحرك مثلنا ولكن وفق حالتها الخاصة، فعندما ارتجت الأرض بنا اجتاحنا الخوف بالتأكيد، واكتسحت منصات التواصل الاجتماعي هيستريا مختلفة من التوقعات والتنبؤات، وفي النهاية فإن “الهلع الاجتماعي” المبرر بالتأكيد ظهر في كلمات مختلفة؛ تستحق أن نتأمل بها لأنها في النهاية تلخص حالة بشرية استثنائية.
أكثر ما يلفت النظر أن الأحداث الطارئة تدفع البعض للبحث في التنبؤات، فمن الزلازل إلى الاغتيالات ووصولا إلى الكوارث هناك “أحد ما” تنبأ بهذا الحدث، فهلع الناس لا يمنعهم من البحث عن التوقعات التي تغرق الإعلام العربي كل العام، وتقدم سجل الأحداث التي تجري في شكل سلسلة من المآسي التي يُفترض أن يتحضر لها الناس.
الغريب أن هذا السيل من التنبؤات يأتي من دولة واحدة، وهو لا علاقة له بالأبراج بل نوع من الرؤى تؤدي في بعض الأحيان إلى نوع من الهوس عند البعض، وعلى الرغم من أن زلزال مدينة حماة لم يرد في الكثير من التوقعات، فإن البحث جار حتى الآن لإيجاد مرجعية له عند المنجمين، وهو أيضا جزء من صورة أوسع للتنبؤات التي تشكل مرجعية خاصة لجمهور واسع، يترقب بدلا من التحليل، ويؤمن من دون أن يدري أن هناك قدرا يلاحق الجميع ولا يدري به سوى العرافين.
جانب آخر حمله الزلزال، وهو ليس جديدا على وسائل التواصل الاجتماعي في منطقتنا، هو ظاهرة الخبراء والمنقبين في شبكة الإنترنت، فسيل المعلومات المقتبسة والمروية عشوائياً توضح طبيعة المعرفة التي تميز ثقافتنا الاجتماعية، فعلى إيقاع أي حدث كبير، وليس الزلزال حصرا، ينفجر بركان العارفين الذين يظهرون فجأة ويختفون، ويحاصرون الجميع بعاصفة المعلومات التي يملكونها، وتصبح المعلومة سلاحا لإثبات الذات وسط هلع الناس وخوفهم.
ما حدث يعيد للذاكرة ظاهرة المحللين الذين ظهروا مع بداية الأزمة السورية، والفارق أن الزلزال له وقت وليس أمرا يمتد ليتيح ظهور “العارفين” وأصحاب الحقائق المطلقة، فهم بقوا على وسائل التواصل ولم ينتشروا باتجاه الإعلام المرئي كما حدث لـ”خبراء” الأزمة السورية الذي استمروا لسنوات وهم يكتشفون خبايا الأزمة ويصلون في النهاية إلى نقطة عمياء، وهم ليسوا سوريين فقط بل أتوا من أصقاع الأرض كافة تزامنا مع تجميع عناصر الإرهاب كلها على الأرض السورية.
المقاربة الأخيرة هي في استنفار بعض وسائل الإعلام، التي استضافت خبراء حقيقيين، لكنهم في الوقت نفسه كانوا يحتاجون إلى زمن ولو قصير كي يستطيعوا تحليل المعلومات، وهم في النهاية قدموا صورة عميقة لكنها في الوقت نفسه جاءت في الزمن غير المناسب، لأن وسائل الإعلام كانت تبحث عن “خطف الأبصار”، وأصبحت وسائل التواصل جزءاً من هذا الأمر، فنشرت كل شيء على طريقة الاقتباس الذي يشوه كل شيء.
الزلازل ظاهرة طبيعة ومن المؤكد أنها ضرورة لاستمرار الحياة على الأرض، لكنها حدث غير عادي بالتأكيد، يكشف المساحة الاجتماعية بالكامل، ويضعنا أمام صور متباينة لما خلفته تقنيات الاتصال داخل حياتنا.