هاشتاغ – أيهم أسد
يقول الكاتب الأمريكي “جويل كوتكين” في كتابه “قدوم الإقطاع الجديد.. تحذير إلى الطبقة الوسطى العالمية” إن مزايا النمو الاقتصادي في معظم البلدان تصب على نحو رئيسي في أيدي الشريحة الأكثر ثراءً من السكان، وقد ارتفعت الحصة من الثروة العالمية التي يمتلكها أغنى (0.1) من سكان العالم من (7) بالمائة عام 1978 إلى (22) بالمائة عام 2012.
وتشير دراسة برلمانية بريطانية إلى أن هذه النزعة مستمرة حتى عام 2030 حيث من المتوقع أن يسيطر أغنى 1 بالمائة من السكان على (66) بالمائة من الثروة العالمية.
ويقول “كوتكين”: تُورّث هذه الثروات من جيل إلى جيل على نحو يخلق شيئاً أشبه بأرستقراطية مغلقة، فقد لا تتمتع هذه الفئة بمكانة قانونية تمنحها امتيازات خاصة أو سلطة سياسية تمارسها بموجب حق الميراث، إلا أن ثروتها تمكنها من شراء النفوذ على الحكومة وعلى الثقافة، وهكذا نرى نشوء مجموعة أوليغاركية في دول يفترض أنها ديموقراطية (وهنا ينتهي كلام كوتكين).
إن قضية تركز الثروات هي قضية اقتصادية عالمية، ويوجد في كل دولة من دول العالم طبقة الـ(1%)، وتلك الـ(1%) قادرة على توجيه دفة السياسة والاقتصاد بما يخدم مصالحها أولاً وأخيراً.
أقرأ المزيد: رفع أسعار الخدمات ومثلث الخطأ
وتشير الوقائع الاقتصادية إلى أن تلك الـ(1%) من السكان والمسيطرين على الثروات الاقتصادية موجودة أيضاً في البلدان النامية بشكل عام والبلدان العربية وسوريا بشكل خاص، حيث أن التفاوت الطبقي في أشده ضمن مجموعة تلك البلدان نتيجة تركز الثروة.
لكن السؤال الأساسي الآن هو:
ما الفرق بين ثروات الـ(1%) تلك الموجودة في الغرب وثروات الـ(1%) الموجودة في العالم الثالث عموماً؟
الجواب ببساطة هو من شقين:
الأول يتعلق بطريقة تكوين تلك الثروات، والثاني يتعلق بطريقة إعادة تدوير تلك الثروات.
ففي الشق الأول، وفيما يتعلق بتكوين تلك الثروات فإن ثروات الـ(1%) في الاقتصادات المتقدمة بشكل عام نتجت عن استثمارات صناعية وزراعية وتكنولوجية حقيقية، أي أنها حاصل إنتاج حقيقي تاريخي طويل، وقدمت تلك النخب من خلال تلك الثروات في نهاية المطاف فائدة كبيرة لاقتصاداتها ومجتمعاتها ومجتمعات دول العالم كافة، أي أن ثروات الـ(1%) تلك أحدثت تطوراً اقتصادياً حقيقياً.
في حين أن أغلب ثروات الـ(1%) الموجودة في اقتصادات العالم الثالث تكونت نتيجة ريوع الموارد الطبيعية، أو نتيجة الامتيازات السياسية للنخب الاقتصادية القريبة من النخب الحاكمة والشريكة لها، أو نتيجة الاستثمار في قطاعات خدمية سريعة المردودية قليلة الإنتاجية، وبالتالي فإن تلك الثروات ليست حاصل إنتاج حقيقي ولم تحدث أي تطور بنيوي في المجتمعات.
أقرأ المزيد: الاقتصاد السوري وأثر الكوبرا
أما فيما يتعلق بالشق الثاني، أي بطريقة إعادة تدوير تلك الثروات، فإن ثروات الـ(1%) في الاقتصادات المتقدمة يعاد تدويرها في الاقتصاد الصناعي المتطور واقتصادات المعرفة والذكاء الاصطناعي واقتصاد الفضاء. كما تعيد الدولة تدوير ما تحصل عليه منها في أنظمة الحماية الاجتماعية لتقليل الفوارق الطبقية والحفاظ على تماسك المجتمع، وبالتالي فإن تلك الثروات تعيد إنتاج سلاسل قيمة اقتصادية أكبر مما كانت عليه.
في حين أن أغلب ثروات الـ(1%) الموجودة في اقتصادات العالم الثالث يعاد تدويرها في قطاعات ريعية وإنفاقات ترفيه تفاخرية وأعمال اجتماعية وجاهية غير منتجة، أو لتثبيت مراكزها الاقتصادية النخبوية.
كما أن الدولة في هذه الاقتصادات لا تستطيع تحصيل ما يكفي من تلك الثروات بسبب تخلف الأنظمة الضريبية وتداخل السياسة بالاقتصاد، وبالتالي فإن تلك الثروات لا تعيد إنتاج سلاسل قيمة اقتصادية ولا تدعم الحماية الاجتماعية في المجتمع.
ببساطة شديدة هذا هو الفرق.