جاءت تصريحات رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بشأن حماية منطقة جرمانا السورية ضمن اختبار جديد لمرحلة إقليمية، فالحدث الأمني الضيق فتح مؤشرات واسعة على طبيعة الصدام حول سوريا، وشكل واقع غير مألوف للسوريين عموما، وفي موازاة ذلك فإن الصمت الرسمي السوري فتح أسئلة عن طبيعة السياسة التي يمكن أن تتبعها دمشق حيال التدخل المباشر بسيادتها، فتهديدات نتنياهو تطال منطقة ملاصقة للعاصمة السورية وبعيدة عن جبهات الاشتباك التقليدية مع دمشق.
الحديث الإسرائيلي سواء عن محافظة السويداء أم عن ريف دمشق يخلق بيئة جديدة لا تحتاج إلى مجابهات عسكرية بقدر ما تتطلب استراتيجيات سورية داخلية، فمع غياب القوة الرادعة فإن سوريا تعيش سياقا أمنيا مضطربا وهو أمر سيستمر خلال مرحلة ستطول وفق مؤشرات السياسات العامة للحكومة في دمشق، وهذا الواقع لا يطرح فقط صراع نفوذ إقليمي على الجغرافية السورية؛ بل يغلق أيضا المسارات السياسية القادرة على رسم بناء وطني متين.
وبصرف النظر عن المواقف من الحكومة المؤقتة وإجراءاتها فإن ما حدث في جرمانا يطرح مسألتين على المستوى الوطني السوري:
ترتبط المسألة الأولى بقدرة المجتمعات المحلية على استيعاب التوترات، ففي جرمانا لم يكن مستبعدا تدخل “إسرائيل” السريع، وربما كسر التوازن القلق القائم بين السلطة الجديدة وخصوصية المدينة التي يمكن أن تنتقل التوترات فيها نحو الجنوب الغربي لسوريا.
كان غياب الرد الرسمي السوري عن تصريحات نتنياهو مؤشرا على طبيعة اهتمامات الحكومة بمسألة العلاقات الخارجية، فهي أرادت البقاء ضمن سوية في العلاقات الإقليمية لا تدخل في مسألة النفوذ “الإسرائيلي”، في وقت استطاعت المجتمعات المحلية التعامل مع الموضوع من زاوية مختلفة بتحييد الحدث الأمني عن “إسرائيل” سواء بالتصريحات المباشرة أم باستيعاب الحدث وإعادة العلاقة مع الحكومة المركزية.
المسألة الثانية لها علاقة بـ”إسرائيل” مباشرة التي أرادت مسألة تتجاوز “الحماية” المزعومة، وتصدير موقف يوحي بأنها على علاقة مباشرة على التشكيلات داخل المجتمعات المحلية، وهذا الأمر تكرر سابقا في مسألة “قسد”؛ إذ يتم تكريس قاعدة سياسية بشأن نفوذ اجتماعي لـ”إسرائيل” وليس سياسيا فقط.
نتنياهو يريد التعامل مع المعادلة السورية تعاملا مباشرا، وهذا الأمر لا يرتبط بمجموعة سورية محددة؛ لأن الغاية النهائية وضع حدود لسياسة دمشق وجعل المساحات مغلقة أمام احتمالات عودة سوريا للتأثير في المعادلة الإقليمية من جديد، فـ”إسرائيل” تملك حاليا “فائض قوة” تمارسه على الإقليم ككل، وما حدث في جرمانا يشير إلى أن المجتمعات المحلية قادرة على ملء الفراغ من دون المساس بسيادة الدولة، وهو ما يمكن أن يصبح قاعدة في بناء وطني خارج الإطار التقليدي الذي اعتدناه.
المهم الآن هو إغلاق الطرق في المواجهات الطويلة والمؤلمة التي تعيشها سوريا، فالحوادث الأمنية ليست “تصرفات فردية”؛ لأن تأثيراتها إقليمية، وقدرة المجتمعات المحلية على رسم مسارات جديدة للحفاظ على التماسك الوطني هو مسار وحيد في ظل الواقع السوري.