هاشتاغ: ترجمة
في وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلن مسلحون دروز في محافظة السويداء في جنوب سوريا عن تأسيس منظمة عسكرية جديدة أطلقوا عليها اسم “المجلس العسكري للسويداء”. وأعلن المجلس أنه يرى أن مهامه تشمل حماية المناطق الدرزية من الإرهابيين المتطرفين وتهريب الأسلحة.
وللرد بشكل استباقي على أي اتهامات بالانفصال أو الخيانة، أعلن زعيم المجلس الجديد، طارق الشوفي، وهو ضابط سابق في الجيش السوري السابق، انشق خلال العقد الماضي وانخرط في نشاط مناهض لنظام الأسد، أن المجلس يعتبر نفسه لبنة أساسية في الجيش الوطني السوري، الذي سينضم إلى الجيش الجديد – ولكن بمجرد تأمين سوريا علمانية وديمقراطية وحديثة.
كما قدّم الشوفي دليلين مهمين بشأن المجلس الجديد: أنه تم تشكيله بالتنسيق مع القيادة الروحية المحلية، بقيادة الشيخ حكمت الهجري، وأنه كان مدعوما من قبل “تحالف دولي”.
وبحسب مقال تحليلي، نشرته صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، “لفهم المكانة الحالية للمجلس، يجب النظر إلى التاريخ الحديث لدروز السويداء وعلاقاتهم مع النظام المخلوع وعملائه والمنظمات الجهادية التي ازدهرت في سوريا منذ بداية الحرب في البلاد، منذ ما يقرب من عقد ونصف”.
تاريخ مؤلم
“انخرط الدروز في محافظة السويداء في نشاط سلمي مناهض للنظام منذ عشر سنوات. وبدأت العلاقات بين النظام والدروز تتدهور في تلك الفترة الزمنية حيث حاول نظام الأسد وعملاؤه تجنيد أعداد كبيرة من الجنود الدروز لمحاربة المتمردين، وفرض الكثير من الضغوط والإجراءات القمعية ضد المجتمع في السويداء”.
“أدى هذا إلى سلسلة من الإجراءات المناهضة للنظام من قبل المجتمع الدرزي، بما في ذلك الانشقاق والمظاهرات الأسبوعية السلمية، وحتى النشاط المسلح ضد الفصائل الجهادية المحيطة بالمجتمع”.
ووفقا للمقال، أدى هذا بدوره إلى تشكيل حركة “رجال الكرامة”، التي احتجت علنا على النظام ودعت إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم “2254” لعام 2015، والذي دعا ضمنا إلى انتقال السلطة في البلاد.
وبالمقابل، طبّق النظام تدابير أكثر قمعية، وصفها السكان المحليون بأنها “محاصرة” و”خنق” المجتمعات المحلية واقتصادها في محاولة لثنيهم عن العمل ضد النظام أو حتى طردهم من أرضهم تماما.
بالإضافة إلى هذا، هناك تاريخ حاسم محفور بعمق في ذهن المجتمع الدرزي في السويداء، هو تموز/يوليو 2018، والذي اعتبره البعض “السابع من أكتوبر للدروز”. في هذا اليوم، ذبح مسلحون جهاديون أكثر من 250 شخصا في محافظة الدروز الجنوبية وجرحوا حوالي 180 شخصا من خلال الهجمات الانتحارية وإطلاق النار الجماعي في المنازل وعمليات الخطف وقطع الرؤوس.
ويتابع المقال “لقد اعتقد الكثيرون أن المجزرة وقعت بعلم نظام الأسد وربما بتشجيع منه، وهو ما يفسر بشكل أكبر الازدراء الذي شعر به دروز السويداء تجاه النظام المخلوع والفصائل الجهادية التي يسيطر أقاربها الآن على سوريا الجديدة”.
وبذلك، “أصبحت الهجمات المروعة في 25 تموز/يوليو رمزا في نظر الدروز للحاجة الملحة إلى الحفاظ على قواتهم المسلحة لحماية مجتمعهم، وعلامة على المصير الرهيب الذي ينتظر أولئك الذين يقفون في طريق الفصائل الجهادية دون دفاع. إنهم لا يرغبون في رؤية أي من هذه الأحداث تجري مرة أخرى، ويجب أيضا النظر إلى تشكيل المجلس العسكري في مواجهة كل المنتقدين من الداخل في هذا السياق”، بحسب المقال.
التدخل الأجنبي
تصدرت قضية التدخل أو المساعدات الأجنبية لـ “المجلس العسكري للسويداء” العناوين، حيث سلّط الكثيرون الضوء على كلمات الشوفي الغامضة حول “تحالف دولي” يساعد المجلس. بالإضافة إلى ذلك، أدلى الشوفي ببعض التعليقات بالتزامن مع تصريحات نتنياهو، يوم الأحد ،التي طالب فيها بجنوب سوريا منزوع السلاح وحذر من أي تهديدات ضد المجتمع الدرزي، حيث رد بشكل غامض بأن “أي يد مساعدة لسوريا موضع ترحيب”.
ولكن الشوفي لم يكن الوحيد من المجتمع الدرزي الذي لم يرفض التدخل الأجنبي. فقد ندد الزعيم الروحي للسويداء، الشيخ حكمت الهجري، ضمنا بالرئيس السوري أحمد الشرع هذا الأسبوع، مشيرا إلى أنه “حتى الآن… لم نر القدرة (للقيادة الحالية) على قيادة البلاد، أو ترسيخ البلاد بالطريقة الصحيحة”. ثم دعا علانية، إلى “التدخل الدولي” “لضمان أن تؤدي العملية إلى دولة مدنية، مع فصل السلطات وسيادة القانون”.
وكشف المقال أن هناك نقطة محورية أخرى في سياق العلاقات الخارجية وهي المجتمع الدرزي في إسرائيل، الذي كان لفترة طويلة قوة داعمة لأقاربه في السويداء. وعلى الرغم من كونهم أقل أهمية من حيث حجم السكان، فقد أصبح الدروز في إسرائيل أحد أقوى المجتمعات الدرزية في المنطقة بسبب قوتهم المحترمة داخل السياسة الإسرائيلية.
فقد كان المجتمع الدرزي الإسرائيلي مصدرا للمساعدة الكبيرة لأقاربهم في سوريا، حيث أمّن المساعدة الإنسانية والسياسية وحتى الدبلوماسية إلى الحد الممكن في ظل الظروف السياسية.
وفي هذا السياق، يكفي أن نرى الاجتماعات الأخيرة التي عقدها الزعيم الروحي للمجتمع الدرزي في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، في الإمارات العربية المتحدة، لإدراك المساهمة العلنية والسرية للدروز الإسرائيليين في مساندة إخوانهم خارج الحدود.
وأشار المقال إلى أنه من المهم ملاحظة أن الدروز في سوريا ليسوا كيانا متجانسا على الإطلاق. فقبل شهرين فقط، انتشر على الإنترنت مقطع فيديو يظهر مجلسا درزيا من وجهاء منطقة الحضر بالقرب من مرتفعات الجولان الإسرائيلية، حيث أعرب الوجهاء عن رغبتهم في الضم إلى الجولان الإسرائيلي، معتبرين إسرائيل “الشر الأقل” وحذروا من الجرائم المروعة التي قد يرتكبها جزء من الجهاديين.
لكن الدروز في منطقة الحضر كانوا تقليديا موالين للنظام السوري المخلوع، ولم تؤثر عليهم أحداث الكرامة و25 تموز/يوليو. لذلك، كان سقوط النظام بالنسبة لهم حدثا أكثر صدمة، على عكس أقاربهم في السويداء الذين كانوا يطالبون علانية بإسقاطه لسنوات عديدة.
ومن المهم أن نضيف أنه حتى داخل السويداء نفسها هناك اتجاهات متضاربة، حيث يواجه المجلس العسكري الجديد انتقادات من منظمة أقدم قليلا تسمى حزب اللواء، وهي منظمة درزية تلقت الدعم الأمريكي وحاولت قيادة خط مختلف للمصالحة مع النظام السابق.
أيام حرجة
ستكون الأيام والأشهر المقبلة حاسمة في عملية توطيد أركان الدولة السورية، حيث يدور السؤال الرئيسي المطروح حول نجاح أو فشل محاولات الشرع في تقديم رؤية لدمج الأقليات العرقية والدينية في مجتمع سني في الغالب بقيادة أيديولوجيين سلفيين – مع الحفاظ على سوريا بعيدة قدر الإمكان عن التدخل الأجنبي غير المرغوب فيه.
ويختتم المقال، بالإشارة إلى أن الدروز في السويداء ينظرون إلى الحكومة الحالية بريبة متزايدة بينما ينظرون شرقا إلى التجربة الكردية الناجحة في الحكم الذاتي، وغربا إلى المخاوف المتزايدة للطائفة العلوية، التي تشهد أعمال انتقامية عنيفة متفرقة، يقودها الجهاديون.
بالنسبة للدروز، قد تكون هذه أياما تاريخية تؤدي إلى الحكم الذاتي، أو الدفاع عن النفس، أو ربما حتى تقرير المصير في شكل أو آخر.
المصدر: صحيفة “جيروزاليم بوست”