Site icon هاشتاغ

حرب ضد التفكير..

حرب ضد التفكير..

حرب ضد التفكير..

نضال الخضري

تظهر الحرب على غزة في الإعلام قضية نموذجية للتشويش، فاستنفار الفضائيات هو عملية تشتيت للتفكير بمعارك تدعو للتفكير ورؤية المعارك وفق تصور مختلف عن مجريات الإبادة التي تمارسها “إسرائيل“، فتعدد القنوات الفضائية يقدم تمثيلاً ًلاستراتيجيات متباينة تجاه الموضوع، ويضع حالة البرود السياسي في واجهة الحدث التي تبدو كوجهات نظر عن مشاهد غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.

التغطية الإعلامية لا توحي بالحرب لأنها “نداءات إنسانية” فقط، وتفاعل واضح مع الشارع “الإسرائيلي” الذي من المفترض أن يكون إلى الجانب الآخر، فعداؤه لـ”نينياهو” لا يبرر اتخاذ موقف عادي تجاهه، ولا يفسر رغبة معظم الفضائيات من وضعه بوصفه أحد ضحايا سياسات الحكومة “الإسرائيلية”، والموضوعية التي تفرضها “الحالة الإعلامية” لا تعني إلغاء واقع الحرب لصالح الظهور بصورة متألقة أمام العالم.

هناك حرب مختلفة عن مراحل الصراع كافة مع “إسرائيل”؛ لأنها حرب تفكير بصرف النظر عن مواقفنا من الجهات الداخلية فيها سواء كانت “حماس” أم “حزب الله”، والحديث عن مسؤولية البدء بالمعركة تلاشت مع عنف الرد “الإسرائيلي” الذي أظهر أن النظام الدولي لديه التزامات غير مفهومة تجاه “إسرائيل”، فهو معني بالدرجة الأولى بتصفية حماس بوصفها ظاهرة سياسية وليس بوصفها تنظيماً داخل غزة.

منطق الحرب القائمة اليوم تجاوز مسألة حماس لأنه محاولة استرجاع مصطلح “إسرائيلي” يعود لستينيات القرن الماضي، واستخدمه الإعلام العربي كثيراً في تلك الفترة، فـ”الغطرسة الإسرائيلية” تعود اليوم بوصفها مفهوم ردع بعد أن انهارت أشكال الردع التقليدية كلها، واستخدام “المجازر” يشكل الظهور الثاني لـ”إسرائيل” بعد ظهورها الأول عام 1948، فهل يستطيع الإعلام تقديم صورة عن هذا الموضوع؟ أو التوقف عن طرح وجهات نظر عن الحرب وسياسات نيتنياهو ومناقشة الوجود الفلسطيني واللبناني والسوري والأردني في ظل الحرب القائمة؟

تتجاوز المعارك في غزة مسألة التصفية الجسدية للشعب، فما يقدمه الإعلام يوضح أن التصفية هي لأي تفكير يريد “مناوشة إسرائيل” وليس فقط مقاومتها، فالتغطية خلال حرب غزة جزء من “الثقافة الإعلامية” الحاضرة حتى في لحظات التدمير والإبادة، وهي موجودة في خلفية أي حديث إعلامي رقيبا داخليا على الكلمات المكتوبة أو المنقولة أو الرؤى المطروحة إعلامياً.

ربما من المستحيل هزيمة “إسرائيل” في المرحلة التي نعيشها، ولكن على الأقل يجب أن تبقى “إسرائيل” في قاعدة الثقافة لدينا بوصفها حالة طارئة مهددة لوجودنا على الرغم من مبادرات السلام المطروحة عربياً كلها والتي تبدو وكأنها “تكفير” عن الحروب السابقة، أو حتى التفكير السابق بأن هناك عدواً انتهك حقوقنا كلها ووضع شرق المتوسط بأكمله في حالة طوارئ.

نستطيع تحميل الأنظمة ما نشاء من الأخطاء بشأن الصراع مع “إسرائيل”، ولكن الأخطاء لا تلغي القواعد الحقوقية ولا تبرر اعتبار الحرب شأناً متعلقاً بطرف واحد، فالحرب تخلق جبهات يوجد فيها طرفان يتصارعان، ولكن وحدها الحرب مع “إسرائيل”، وعلى الأخص في حرب غزة، لم تخلق جبهة سياسية على الأقل بل أوجدت تشويشاً إعلامياً يريدنا أن نعرف بالغصب أن بعض “الإسرائيليين” ضد نيتنياهو، على الرغم من اتفاقهم على قتلنا سواء كنا داخل الأراضي المحتلة أم خارجها.

Exit mobile version