هاشتاغ-رأي مازن بلال
تستخدم “إسرائيل” منذ بداية الحرب في غزة قوة نارية غير مسبوقة تشير على أن الأهداف العسكرية غير واضحة، فعلى الرغم من أن بنيامين نتنياهو رسم الأهداف السياسية لجولته العسكرية سواء على مستوى غزة، أم حتى بالنسبة للشرق الأوسط عموما؛ فإن المأزق الحالي للمنطقة ككل هو في التدمير المتبادل على الرغم من تفوق “إسرائيل” في هذا الأمر.
وبالرغم من صعوبة تحليل الحدث ببرود نتيجة عمليات الإبادة التي تنفذها “إسرائيل”، فإن رؤية ما وراء الحرب تبدو أيضا قائمة لسببين أساسيين:
الأول عدم وجود طرف سياسي مقابل لـ”إسرائيل“، فكل التحرك الدبلوماسي لا يتعامل مع جانب فلسطيني، أو حتى لبناني، فهناك حديث عن هدنة مع صمت عام وخصوصا من الجانب العربي حول نية “إسرائيل” تغيير قواعد الأمن الإقليمي بإزاحة حزب الله وحماس، وبالتعبير “الإسرائيلي” إيران من المعادلة.
في السياسة كل الأمور ممكنة فهي بطبيعتها تعتمد على تجاوز إرادة الآخرين في غالبية الأحيان، لكن ما يحدث لا يحمل معه أي شكل واضح لطبيعة التوازن الإقليمي الذي تريده “إسرائيل” فيما لو أنهت التشكيلات المقاومة، وأبعدت إيران عن المعادلة القائمة حاليا، فالتفوق العسكري الذي تطرحه لا يحمل معه سوى جغرافيا مفتوحة على احتمالات صراعات داخلية فقط نتيجة الإنهاك الذي خلفته الحرب، خصوصاً أن هناك طرفا دوليا يقف وراء الحرب الحالية (قوى الناتو)، بينما تساند دولة إقليمية واحدة هي إيران باقي الأطراف المنخرطة في الصراع.
السبب الثاني مرتبط بدول الإقليم التي تبدو في موقف يريد تجنب “الأذى” بانتظار نتائج المعارك، ومهما كانت نتيجة الحرب فإن دول الإقليم ستجد نفسها في النهاية أمام حالة من الفراغ السياسي في حال انهيار المقاومة لا تستطيع سده بل ستترك للآخرين التعامل معه، وهذا الأمر سيؤثر فيها في التأكيد.
بالرغم من أن الحرب الحالية لم تتخذ طابع الحرب الإقليمية بشكلها الكلاسيكي، فإن الجغرافيا المنخرطة بالصراع واسعة جدا، وسيترتب عن أي نتيجة عسكرية للمعارك حالة استثنائية لا يمكن السيطرة عليها بفعل القوة الاقتصادية لدول الخليج على سبيل المثال، فالخلل الذي ستخلفه الحرب في غرب آسيا سيؤثر دوليا، وحتى في حال انكفاء “إسرائيل” نتيجة المعارك فإن هذه المنطقة التي عُرفت بالشرق الأوسط ستشهد تحولا غير مسبوق منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.
منذ أن حركت الولايات المتحدة الأمريكية حاملة طائراتها وبعضا من قوتها البحرية بعد أكتوبر 2023؛ فإن مسار المعارك لم يعد إقليميا مهما حاولنا تجاهل نتائجه الدولية، فأوروبا والإدارة الأمريكية حاولت خلق جبهة سياسية وعسكرية على أمل تحقيق حالة سياسية في حال استطاعت “إسرائيل” إحداث خرق سياسي ضمن التوازنات القلقة للمنطقة، لكن ما يحدث حتى اللحظة هو إنهاك “إنساني” يشبه حروب القرون الوسطى، لكنه في الوقت نفسه يضم جغرافيا واسعة يصعب السيطرة عليها من دون رؤية سياسية مقنعة على الأقل للأطراف الدولية، وهو أمر مفقود حتى اللحظة.