هاشتاغ _ أيمن علوش
إن استمرار القوّة الاقتصادية الأمريكيّة ونفوذ الدولار استوجب تفوّق القوة العسكرية الأمريكيّة، واستوجب أيضاً عسكرة العالم وخلق نزاعات وحروب، ومن أجل ذلك تنافست نظريّة ” divide and rule قسّم واحكم” مع نظريّة “threat and protection الخطر والحماية”، وتكاملت النظريتان أحياناً بما يخدم مصالح “الدول الحضاريّة الاستعمارية” بإخضاع الدول ونهب ثرواتها وإغراقها في مستنقع التسلح والحروب والفقر والأمراض. ومن أجل هذه المصالح تمّ تغذية الصراعات ودعم الديكتاتوريات وصناعة حروب بما يخدم سياسة ” recycling petrodollars تدوير دولار البترول”، فتم استعادة كل ما سدّدته ثمناً للنفط في أسلحة لحروب اصطناعيّة.
لا غرابة في ضوء ذلك أن تتجاوز ميزانيّة الولايات المتّحدة الأمريكيّة الـ ٧٠٠ مليار دولار أمريكي سنوياً على مدى عقود، ولا غرابة أيضاً أن يكون الشرق الأوسط أكبر سوق للسلاح لعقود، ولا أن تحتلّ الولايات المتّحدة المرتبة الأولى في الإنفاق العسكري ولا أن يتجاوز انفاقها العسكري انفاق الدول العشرة التي تليها، ولا أن تكون الدولة الأولى المصدّرة للسلاح إلى الدول النامية ودول العالم الثالث والدول التي تنتهك حقوق الإنسان، بما يخالف قوانينها في تصدير السلاح.
ومن أجل مصالحها الخاصة عملت شركات صناعة الأسلحة في الولايات المتّحدة، بشكل رئيسي، وبقيّة الدول المصنّعة والمصدّرة للسلاح التقليدي، بنسبة أقلّ، على إفشال كلّ محاولات التوصّل إلى اتفاقيّة ملزمة للدول كتلك الخاصّة بأسلحة الدمار الشامل ( النوويّة والكيماوية والبيولوجيّة)، أو حتى إلى قوننة بيع السلاح التقليدي. على العكس تماماً، فقد دفعت هذه الشركات في الولايات المتّحدة بالكثير من رجالاتها إلى الكونغرس ومجلس الشيوخ بما يسهّل لاستصدار التشريعات والقوانين التي تُحدث ثغرات في قوانين بيع الأسلحة وتسهيل وصولها، ليس فقط إلى مناطق النزاع في العالم، بل إلى أطراف النزاع كما حصل في الحرب العراقيّة – الإيرانية اذ قامت بريطانيا بتزويد كلا الطرفين بالسلاح.
ومن أجل مصالح الدول المصنّعة والمصدّرة للسلاح تم تعطيل، ولسنوات طويلة، كلّ جهد في المنظمة الدوليّة للتوصل إلى اتفاقية ملزمة بمنع السلاح التقليدي، أو قوننة بيعه، أو إلى الإشارة إلى تأثير بيع السلاح على اندلاع الأزمات أو الربط بين بيع السلاح والتنمية، فاستمرت تجارة السلاح في استنزاف خيرات الشعوب بحروب مُكلفة، وكان أكثر مبيعات السلاح إلى الأنظمة الديكتاتورية التي يمكن أن يتّخذ القائد فيها قرار الحرب أو رفع ميزانية التسلّح دون العودة إلى الجهات التشريعية او المعنيّة.
وفي كثير من الحالات لا يكون شراء السلاح ضرورة للدولة، وإنما استرضاءً للدولة المصدّرة السلاح، ويكون في حالات اخرى الزاماً من الدولة المصدّرة للسلاح للدولة الزبون مقابل حماية نظام الحكم أو دعم الدولة سياسياً أو إعلامياً أو غض النظر عن سياساتها الداخلية أو انتهاكها لحقوق مواطنيها.
في الدول التي لا تذهب إلى الحروب سريعاً كالأنظمة الغربيّة التي لا يتجاوز الانفاق العسكري فيها نسبة محدّدة من دخلها القومي، كان الناتّو أداة سطوة الولايات المتّحدة لتعزيز هيمنتها العسكرية على أوروبا وفرض شروط انفاق عسكريّ على كافة دول الحلف بما يخدم مصالح شركات السلاح في الولايات المتّحدة .
إن انهيار الاتحاد السوفييتي، وانهيار حلف وارسو معه لم يخفض حجم التسلح في الولايات المتّحدة ولا في دول حلف الناتو بسبب أهمية سياسة بيع السلاح على مستويات عدّة، فقد ارتفعت مشتريات دول الناتو الجديدة كما فرضتها الولايات المتحدة لتكرّس الولايات المتّحدة بذلك تبعيّة تلك الدول لها, واليوم تستثمر الولايات المتّحدة في الحرب الروسيّة على أوكرانيا لتعزيز تواجدها العسكري في أوروبا ولإلزام دول الناتو برفع مخصصات انفاقهم العسكري.
توجد علاقة بينيّة بين بيع السلاح والتنميّة والأزمات والديكتاتورية، وكلّما توفرت هذه العوامل في دولة أو منطقة كلّما ارتفع اتفاقها العسكري، أما بخصوص الدول المصدّرة للسلاح فليس هناك ما يعيق بيعها لأدوات القتل طالما انها تعمل بشكل مستمر على توفير محفّزات البيع.
وقد يكون أكثر ما يشغل شركات السلاح حالياً أن لا ينتصر منتجٌ آخر على مُنتجها لأن ذلك من شأنه أن يُفقدها كثير من حلفائها وزبائنها، ويمكن قراءة كثير من عمليات الحرب الروسيّة على أوكرانيا وما تسوّقه دول حلف الناتو من خسائر روسيّة بأسلحة سُلّمت لأوكرانيا من دول الناتو في إطار حرب شركات السلاح.
* دكتور في السياسة / اكستر op