هاشتاغ – عبد الرحيم أحمد
ما جرى يوم الثلاثاء الدامي في لبنان يقودنا مباشرة إلى التفكير بشكل ونوعية حروب المستقبل بعيداً عن القنابل النووية وأسلحة الدمار الشامل التقليدية لتحل محلها الحروب السيبرانية والإلكترونية التي تستطيع شل الدول وقتل آلاف الناس بكبسة زر من جهاز إلكتروني يتمتع بقدرة على الوصول إلى تجهيزات الدول العدوة.
لا تخلو الحروب السيبرانية والإلكترونية من عامل التجسس، لكنها في المستقبل وبوصف أن من ينتج الأجهزة التقنية ويضع برمجياتها قادر على التحكم بها، قد تتحول إلى أداة قتل لحاملها ومحيطه.
ربما تتمتع “إسرائيل” أكثر من غيرها بالقدرة على التجسس واستغلال الأصول المتعددة لليهود لاختراق الدول وأنظمتها بوساطة “مواطنيها” وجنسياتهم المتعددة ولهجاتهم ولغاتهم وأشكالهم التي تساعدهم في التخفي عن أنظار الاستخبارات الأخرى.
أضف إلى أن وجود “اليهود” في عدد من الشركات العالمية التي تنتج تقنيات عالية في مختلف دول العالم، يساعد كيان الاحتلال الإسرائيلي في اختراق سلاسل التصنيع والتوريد لتلغيم وزرع أجهزة تجسس وتنصت في الوسائل الإلكترونية التي بدأت تسيطر على مناحي الحياة كافة في دول العالم.
هل تتحول التكنولوجيا المدنية إلى سلاح دمار شامل؟
الفكرة التي طرحها أيلون ماسك قبل أعوام لزرع شرائح إلكترونية في أجساد البشر ليست بعيدة عن المخطط. والإنترنت الفضائي الذي يعمل انشره في العالم بأقماره الصناعية لن يكون “جمعية خيرية” لخدمة رفاه شعوب العالم (وبخاصة اليمن)، وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها ليست سوى مكان لجمع وتقصي أخبار الشعوب ودراسة ميولها لمعرفة آلية التحكم بها وتحريضها وتحريكها ضمن المخططات الاستعمارية الغربية.
ما جرى في بيروت قبل أيام، طرح أسئلة كبرى في عدد من دول العالم حول سلامة سلاسل الإنتاج والتوريد وخصوصاً في المجالات التقنية والإلكترونية الحساسة، ففي موسكو بدأت الصحافة الروسية تتساءل عما إذا كان باستطاعة الدول الغربية تفجير أجهزة الموبايل التي يتم استيرادها إلى روسيا وتحويلها إلى “أسلحة دمار شامل” لا تحكمها القوانين الدولية المعمول بها اليوم.
بعض المحللين الروس دعوا إلى التدقيق في كل التجهيزات والقطع الإلكترونية التي تدخل البلاد من الدول الغربية وفحصها، وكذلك البحث في إيجاد بدائل محلية لها لمنع الغرب من استخدامها أداة لاستهداف المسؤولين الروس في لحظة ما.
هذا عن روسيا وربما الصين والدول المتقدمة صناعياً والتي تمتلك القدرة على كشف المتفجرات أو التلاعب بالأجهزة الإلكترونية، والقادرة أيضاً على صناعة البدائل محلياً. لكن ماذا عن بقية دول العالم النامي الذي تفتقر دوله إلى القدرات الفنية والتقنية وتعتمد في تجهيزات الاتصالات والإنترنت على ما ينتجه العالم الغربي خصوصاً؟
قد يكون من المبالغ فيه اليوم تصور أن تتحول الهواتف الذكية التي لا يخلو بيت منها، إلى قنبلة موقوتة تنفجر بأمر من جهة استخباراتية في العالم الغربي، لكن من كان يتصور قبل الذي حدث في بيروت وتفجير أجهزة النداء /البيجر/ أن يحدث هذا؟
لقد اعتاد العالم استخدام الحرب الإلكترونية في التشويش على أنظمة الدفاع الجوي والرادارات، وجاءت بعدها الحرب السيبرانية لتعطيل المنظومات الإلكترونية لعمل الإدارات المالية والمطارات ووزارات الدفاع والأنظمة الحساسة وشل حركة البلد.
فهل تتحول الحرب الإلكترونية والسيبرانية إلى القتل الجماعي المتعمد وعلى نطاق واسع، مع علم القاتل أن بينهم مدنيون كثر؟
وهل تتحول الأدوات التقنية الإلكترونية إلى “سلاح دمار شامل” يشبه القنابل النووية التي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية على مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين في الحرب العالمية الثانية؟
جريمة بيروت لن تغير مسار الحرب
من المبالغ فيه أيضاً أن يعتبر البعض أن الحروب الإلكترونية والسيبرانية قادرة على حسم المعارك حسمًا مطلقًا وتحقيق الانتصارات من دون الاعتماد على العوامل البشرية والأسلحة التقليدية.
فالجريمة البشعة التي ارتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي في بيروت، على الرغم من قسوتها، لا يمكن أن تغير مسار الحرب أو ترغم المقاومة اللبنانية على وقف إسناد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لأن تاريخ المقاومة أثبت قدرتها العالية على تجاوز عدد من اللحظات الحرجة والمفصلية، وبقيت أقوى مما كانت وهذا ما ستكون عليه الأيام القادمة.
فبالرغم من امتلاك العدو الإسرائيلي قدرة تدمير عسكرية كبيرة ومتطورة، لكنه لن يستطيع تحمل القوة الصاروخية المتطورة أيضاً التي تملكها المقاومة اللبنانية وساحات الإسناد الخارجية في اليمن والعراق وسوريا، ولن يستطيع جمهور المستوطنين الإسرائيليين تحمل تبعات هذه الجريمة التي سيكون الرد عليها من طبيعة الجريمة.
جريمة “البيجر” يجب أن تقلق الغرب أيضاً
فلن يمر وقت بعيد قبل أن تكتشف الدول الغربية وغيرها من دول العالم منتجة التقنيات الإلكترونية أنها وقعت ضحية الجريمة التي ارتكبها الإسرائيليون في لبنان. فلا بد من أن هذه التجارة المزدهرة جداً سوف تواجه تراجعاً وركوداً بفعل الحذر الذي سيصيب الدول التي تستورد هذه التقنيات، ناهيك عن آلاف الأسئلة حول الضمانات والكفالات بسلامة المنتج وسلامة سلاسل التوريد وغيرها.
لذلك فإن جميع دول العالم مدعوة اليوم للتحقيق في كيفية حدوث هذا الخرق الأمني والتقني، ليس لأنه استهدف حزب الله، ولكن لأنه ربما يحدث مع أي دولة في العالم، وبالتالي محاسبة الجهات المسؤولة عن الخرق من أول الخطوة حتى آخرها.