في إحدى شوارع مدينة لوس أنجلوس الأميركية، كان شاب سوري يقود سيارة يتجاوز ثمنها 300 ألف دولار، نحو مليار ليرة سورية على سعر الصرف الحالي.
هاشتاغ-رأي-صدام حسين
شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يحمل جنسية بلد يعيش 90 بالمئة من سكانه في فقر مدقع، والـ 9 بالمئة المتبقية تعيش فقراً عادياً، يقود سيارة فارهة برفقة صبية حسناء «مجهولة الهويّة»، في شارع التسوّق الأغلى عالمياً.
مشهد يبقى غريباً، حتى تعرف هويّة هذا الشاب ويزول العجب: إنّه نجل رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري المعروف.
ينتمي هذا الشاب اللطيف كما يبدو إلى طبقة الـ 1 بالمئة الذين لم يدخل الفقر والبرد والجوع إلى بيوتهم يوماً.
هرعت إلى «غوغل»، وأظن أن 99 بالمئة من السوريين الفقراء هرعوا مثلي إلى محركات البحث لمعرفة تفاصيل القصة.
وكوني أحلم باقتناء سيارة «مهما كان نوعها» ولا أملك من ثمنها إلّا الدعاء، كتبت في مربع البحث على غوغل: «دعاء الحصول على سيارة سبايدر فيراري، 670 حصاناً، 3900 CC».
نتيجة البحث الأولى كانت دعاءاً طويلاً يتلوه رامي مخلوف بنفسه، ويشارك فيه السوريين مجاناً «على غير عادته» ودون الحاجة لإرسال “إس إم إس”.
ويطلب صاحب سيريتل “سابقاً” من المشتركين بصفحته القيام في صعيد واحد والدعاء لمدة 40 يوماً متواصلة بعد غروب الشمس، انتظاراً لحصول معجزة ما، ربما تكون إحدى علامات الساعة، كظهور الإمام المهدي، والمسيح عليه السلام.
وكوني لا أنتظر أحداً عادة، وطالما أن استجابة الدعاء لا تتضمن الحصول على سيارة فيراري، أقلعت عن الفكرة تماماً، مع شعور بالاستياء، وهو شعور يوصف لدى الشيوعيين بـ «الحقد الطبقي».
زيارة طبقيّة
شاب سوري آخر بعمر المخلوف الصغير، يقود دراجة نارية في بيروت، ويعمل ديليفري لتوصيل الطلبيات، براتب لا يتجاوز مئة دولار شهرياً مع «البقشيش».
هذا الشاب هو رامي، لكنه ليس مخلوفاً هذه المرة، هو مهندس من خريجي جامعة دمشق، ارتضى أن يعمل في مهنة لا تناسب اختصاصه الجامعي ليعيل أسرته الفقيرة، ومع ذلك أصبح عاجزاً عن إرسال أية أموال لأهله في سوريا بعد انهيار اقتصاد لبنان، وهو اليوم يحلم بلقاء والدته بعد خمس سنوات من الفراق والحنين.
لا يملك رامي حتى 100 دولار لتصريفها على الحدود، وهو شرط وضعته الحكومة السورية على مواطنيها للدخول إلى بلدهم «بينما يدخل الأجانب مجاناً»، مع العلم أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ينص على حق كل شخص بالعودة إلى وطنه دون وضع سعر لهذا الحق.
يعاني رامي اليوم من «الحقد الطبقي»، لأن أقرانه يسرحون ويمرحون في مطارات العالم، ويعيشون في أحضان أمهاتهم، فقط لأن أهاليهم يملكون المال.
خدمة علم طبقية
تتجلّى الطبقية بأسوأ صورها في سوريا بقانون البدل عن خدمة العلم والذي خلق حالة كبيرة من «الحقد الطبقي» في صفوف الشباب.
فمثلاً يستطيع أحد «أثرياء الحرب» إرسال ابنه في رحلة سياحية إلى باريس أو لندن لمدة سنة، يقضي ثلاثة أشهر منها في سوريا، ويدفع بدلاً بقيمة عشرة آلاف دولار أميركي، ويصبح معفياً من الخدمة الإلزامية.
أما الأقل ثراء يمضي سنتين بالخارج ويدفع تسعة آلاف دولار، والمتوسط الثراء يمضي ثلاث سنوات في الغربة ويدفع ثمانية آلاف، وبالنسبة للشخص العادي يتغرب أربع سنوات يمضيها بالعمل، ويدفع سبعة آلاف ورقة نقدية للحكومة، من عملة الدولة الإمبريالية الكبرى حصراً.
ومن لا يملك المال فهو مجبر على الالتحاق بخدمة عسكرية غير محدودة بسقف زمني، وربما التضحية بروحه من أجل الوطن.
حالة «الحقد الطبقي» تظهر بشكل كبير لدى المجبرين على الالتحاق بالخدمة العسكرية لأنهم لا يملكون المال ولا يستطيعون السفر، فيمضي هؤلاء عشر سنوات متواصلة من شبابهم بالخدمة، فقط لحماية الأغنياء وأبناءهم، كما يقول أحدهم.
مع العلم أن الكثير من الشباب التحق بالخدمة طوعاً للدفاع عن وطنه، وهم قادرون على السفر ودفع البدل، وحتى وحيدين لأمهاتم في بعض الأحيان، ولكنها حالات لا تستوجب التعميم.
جواز سفر طبقي
في جوازات السفر السورية «طبقية» أخرى، حيث طرحت وزارة الداخلية خدمة «جواز السفر العاجل» بيوم واحد، مقابل 100 ألف ليرة سورية، ومن لا يملك هذا المبلغ عليه الانتظار في طابور طويل لأسابيع وأحياناً لأشهر.
أما الشباب في الخارج باتوا غير قادرين على تجديد جوازات سفرهم التي تكلّف 300 دولار للعادي و800 دولار للمستعجل، وهو مبلغ كبير بالنسبة لجواز السفر الأضعف عالمياً، وغير منطقي بالنسبة للسوريين المقيمين في بلدان منهارة اقتصادياً كـ لبنان، حيث يتواجد نحو مليون ونصف المليون لاجئ سوري.
كهرباء طبقية
طرحت سوريا الاشتراكية خدمة «طبقية» أخرى، وهي خط كهربائي مُعفى من التقنين بقيمة 300 مليون ليرة سورية فقط لا غير لكل 1 كم، وتقول وزارة الكهرباء في إعلانها المضحك بأن هذا الاشتراك متاح لـ «جميع المواطنين»!.
فأصبح متاحاً لأي «ملياردير مستجاب الدعوة» التنعم في الفيلا التي اشتراها بماله الخاص بكهرباء على مدار الساعة، فيما يغرق ملايين السوريين الفقراء في عتمة شاملة، مع أربع ساعات كهرباء متقطعة في اليوم لا تكفي لإنهاء وجبة غسيل، ويختنق المواطنون المحتاجون لأجهزة تنفس على مدار الساعة.
أسقطت وزارة الكهرباء بضربة واحدة نظرية نقص الفيول والغاز الذي تتذرع به لتبرير قطع الكهرباء والتقنين، وأثبتت أنها قادرة على إنتاج الطاقة مقابل المال.
البطاقة الطبقية
الطبقية الأكبر في سوريا بدأت مع «البطاقة الذكية»، وهي استكمال لخطة عبدالله الدردري لتقنين الدعم وصولاً إلى إلغائه نهائياً.
فحامل البطاقة الذكية الفقير مضطر للانتظار مئة يوم للحصول على جرة غاز مدعومة، ولكنه يستطيع شراء جرة غاز متى يشاء بالسعر الحر إذا كان غنياً، وكذلك البنزين فالغني يستطيع تفويل سيارته بلا حدود من السوق السوداء.
وبينما يتجمد الفقير في منزله بعد انتهاء الـ 50 ليتر المخصصة له من المازوت خلال أيام، لا تنطفئ التدفئة المركزية في فلل الأغنياء الذين يشترون المازوت من «حرّ أموالهم».
وفيما تحصي الحكومة عدد أرغفة الخبز على الفقراء، «وهو في بعض الأفران لا يصلح علفاً للمواشي»، يتناول الأغنياء خبزاً سياحياً درجة أولى، ولا ينتظرون مكرمات الحكومة من السكر والزيت والأرز، ولا يقفون على طوابير الذّل، ولا يتأثرون بقرارات رفع الأسعار.
طبقية قانونية
البعض يقول إن الطبقية موجودة دائماً، ولكنها ظهرت اليوم بوضوح مع الانهيار الاقتصادي، ووجود طبقتين فقط، فاحشة الثراء تمثل الأقلية، وأخرى تغرق في فقر مدقع تمثل الغالبية العظمى من المجتمع السوري.
ولكن الخطير هو أن تصبح هذه الطبقية مكرّسة في القوانين، وتكون حالة طبيعية، مع أنها تتناقض مع النظام الاشتراكي، وهي حالة غير دستورية بالنسبة لدولة تتبع نهج حزب البعث العربي الإشتراكي.
فكيف يمكن لدولة يفترض أنها «تقارع» الولايات المتحدة أن تطالب مواطنيها بالدفع بالعملة الأميركية حصراً لإتمام معاملاتهم، وتجعلهم فريسة للسوق السوداء.
وإذا كانت الحجة هي تأمين القطع الأجنبي، فهناك ألف طريقة غير فرض «الخوّات» على المواطنين، ومن هذه الطرق استعادة الأموال المنهوبة الموجودة داخل وخارج سوريا، ومحاربة الفساد والتهرب الضريبي لدى أثرياء الحرب، والسلام أيضاً، وزج حيتان المال في السجون.
فكيف لرئيس وزراء في بلد اشتراكي أن يملك منزلاً بمليار ونصف المليار بينما نصف مواطني هذا البلد مشردون، ويفترض أن راتبه الشهري أساساً لا يتجاوز 100 ألف ليرة، فمن أين له هذا؟.
كيف تدخل أجهزة الآيفون الأميركية من أحدث الإصدارات إلى دمشق قبل عواصم الشرق الأوسط قاطبة، وكيف لموظف عادي أن يشتريها بملايين الليرات؟.
كيف تسير سيارة نسخة طبق الأصل عن سيارة ابن رامي مخلوف في شوارع دمشق؟، كيف تخطّت السيارة الفارهة والآيفون عقوبات «قيصر» الأميركية، ولم ينجح رغيف خبز الفقراء في تخطيها؟.
قرأت في إحدى الدراسات أن التنظيمات المتطرفة تغذّي «الحقد الطبقي» لدى عناصرها من الفئات المهمشة لتعزيز فكرة الانتقام لديهم، يبدو أن بعض الحكومات تمارس الدور ذاته من حيث لا تدري!.