تكهنات كثيرة يتم إطلاقها بشأن ما يمكن أن تفعله الحكومة الليبية الجديدة خلال الفترة القليلة التي ستتولى فيها إدارة شؤون البلاد؛ بالنظر إلى حجم التحديات التي يعيشها واقع البلد الذي يعيش أزمة سياسية وعسكرية تتداخل فيها عديد من الأطراف الدولية والإقليمية.
وأدى رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي في ليبيا، الاثنين 15 آذار/مارس، اليمين الدستورية أمام المحكمة العليا بطرابلس، قبل التوجه برفقة رئيس المحكمة ورئيس وأعضاء الحكومة إلى مدينة طبرق (شرقي البلاد)؛ للمشاركة في مراسم أداء الحكومة اليمين القانونية أمام مجلس النواب.
ومنح مجلس النواب الليبي، في 10 آذار/مارس، الثقة لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، بعدد أصوات وصل إلى 132 نائباً من إجمالي 188.
وكان أعضاء لجنة الحوار الوطني، المكون من 75 شخصاً، والذين اختارتهم الأمم المتحدة، انتخبت قائمة المنفي، المكونة من محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، وموسى الكوني، وعبد الله حسين اللافي، وعبد الحميد الدبيبة، رئيساً للحكومة، لإدارة البلاد حتى إجراء الانتخابات.
ويتزامن أداء الحكومة اليمين مع مواصلة أعضاء اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، المجتمعين في مدينة سرت وسط البلاد، بحث عدد من الملفات العالقة والعقبات التي تواجه التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار.
تفاؤل حذر وتحديات كبيرة
وتواجه الحكومة التي لن يتجاوز عمرها 9 أشهر، تعهدات بإقرار الأمن وتصحيح الأوضاع الاقتصادية المتردية والتجهيز للانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة في ديسمبر المقبل.
ولم تتم تسمية وزير للدفاع في الحكومة التي سيقوم رئيسها بمهام وزارة الدفاع، بسبب الخلاف المناطقي على تسمية وزير للحقبة المهمة، في حين لا يزال مصير اللواء المتقاعد خليفة حفتر، غير واضح.
ورغم أن حفتر، الذي حاول على مدى ست سنوات، السيطرة بالقوة على الحكم في ليبيا، مدعوماً بأطراف دولية وإقليمية، أعلن ترحيبه بالمسار السياسي الذي تم التوصل إليه في مشاورات جنيف، شباط/فبراير الماضي، فإن تقارير تشير إلى عدم التزامه بسحب قواته من مدينة سرت.
ومثَّلت سرت نقطة خلافية كبيرة بين الأطراف؛ لكونها تعتبر مدخلاً إلى المثلث الليبي الغني بالنفط، وكان إخلاؤها من المرتزقة والقوات غير الحكومية كافة، أساساً للحل السياسي الذي ارتضته الأطراف، ومن ضمنهم حفتر.
وتسود حالة من الهدوء الحذر الساحة الليبية حالياً، حيث يعتقد البعض أن حفتر قد ينقلب على الاتفاق الأخير كما حدث وانقلب على اتفاق الصخيرات، الموقَّع عام 2015.
بيد أن التوافقات الواضحة بين الداعمين الدوليين والإقليميين تشي بتراجع احتمالية تجدد النزاع المسلح بين الأطراف، كما أن تقارير غربية تشير إلى تقليص الإمارات دعمها لحفتر، وتخفيف حضورها العسكري في ليبيا.
تحركات عسكرية لحفتر
بالتوازي مع اجتماعات غدامس، انسحبت قوات حفتر إلى خارج مدينة أوباري مسافة تقرب من 17 كيلومتراً، بعد محاولة اقتحام موقع عسكري لقوات حكومة الوفاق.
وكانت قوات حفتر، معززة بـ50 سيارة، قد حاولت دخول معسكر غرفة العمليات المشتركة في مدينة أوباري جنوب غربي ليبيا، الأحد 14 آذار/مارس، مطالبةً قوات الوفاق بتسليم أفرادها وأسلحتها.
ووصف العميد عبد الهادي دراه، المتحدث باسم غرفة عمليات سرت والجفرة، الوضع في معسكر أوباري بالمستقر، لكنه أكد أن قوات حفتر ما زالت تحاصره من الجبال.
من جهتها، دعت الأمم المتحدة، الاثنين، الأطراف المعنية كافة إلى ضمان استمرار وقف الأعمال العدائية في ليبيا.
وتأتي هذه الدعوة غداة اتهام حكومة الوفاق لقوات حفتر بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه في 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
ورداً على أسئلة صحفيين بشأن هذا الهجوم، قال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوغاريك: “نحن على دراية بتلك التقارير المقلقة التي تأتي من ليبيا”.
وأضاف دوغاريك خلال مؤتمر صحفي: “نحث جميع الأطراف، ومن له تأثير عليها، على أن تضمن استمرار اتفاق وقف الأعمال العدائية”.
وهدّد وزير الدفاع بحكومة الوفاق الليبية، العقيد صلاح الدين النمروش، بانسحاب قوات حكومة الوفاق من اتفاق وقف إطلاق النار المبرم برعاية أممية مع قوات حفتر، معتبراً أن الاتفاق كأنه لم يكن إنْ أقدم حفتر على أي عمل عسكري.
ووجّه تحذيراً إلى الأمم المتحدة والدول الداعمة للسلام والحوار في ليبيا، قائلاً: إنه “إذا لم يتم كبح قوات حفتر فإن قوات الوفاق ستنسحب من الاتفاق”.
وأبدى النمروش استغرابه ما قال إنه صمت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، والمجتمع الدولي الداعم للسلام في ليبيا، عن تحركات قوات حفتر وتهديدها اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب.
وقد أدان المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خرق قوات حفتر وقف إطلاق النار، بهجومها على معسكر تيندي بمدينة أوباري جنوب غربي ليبيا.
وأكد المجلس في بيان، أن هذا الخرق تنفيذ لأجندة خارجية تهدف إلى إفشال أي مسار سلمي للخروج من الأزمة الليبية عبر الحوار.
وأضاف أنه متأكد من عدم جدية حفتر بأي اتفاق يتم توقيعه، كما هي عادته في السابق، حسب نص البيان.
تحركات حفتر ومشاورات برلمانية!
في المقابل، أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر، التزامه وتمسُّكه التام باتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين قواته وقوات حكومة الوفاق، بجنيف، في 23 تشرين الأول/أكتوبر، برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
وأعرب في بيان عن قلقه مما وصفها بـ”الحشود المتزايدة” لما سماها “المليشيات التابعة لما يُعرف بحكومة الوفاق في طرابلس ومصراتة”.
وأوردت مصادر ليبية، أنَّ حفتر وصل إلى القاهرة، في زيارة يلتقي خلالها مسؤولين مصريين. وقال خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي في قوات حفتر، إنه ستتم مناقشة ضرورة إنهاء الأزمة الليبية من خلال المسار السياسي.
وشدد المحجوب على أهمية التنسيق المستمر مع مصر؛ للحفاظ على الأمن القومي المشترك، وفق قوله.
ونشر مكتب حفتر بياناً مقتضباً قبل هذه الزيارة، تضمَّن دعماً سياسياً لرئيس برلمان طبرق عقيلة صالح وإشادة بدوره في دعم المؤسسة العسكرية التي يقودها حفتر.
إلى ذلك، يواصل نواب البرلمان الليبي مشاوراتهم في غدامس غربي البلاد، تمهيداً لعقد أول جلسة تجمع أعضاء مجلس النواب بالكامل، الثلاثاء 16 آذار/مارس، فيما أدان المجلس الأعلى للدولة انتهاك قوات حفتر اتفاق وقف إطلاق النار.
ولا تزال قضية المقر الذي سيعقد فيه النواب جلستهم موضع خلاف حاد بين برلمانيِّي طرابلس وطبرق، إلا أن الأخطر ما اعتُبر محاولةً من رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، لمنع عقد جلسة غدامس.
ونقلت تقارير صحفية أنَّ صالح وجّه دعوة إلى البرلمانيين التابعين له؛ لعقد اجتماع في بنغازي، وهو اليوم ذاته الذي كان مقرراً لجلسة توحيد البرلمان.
ويثير اجتماع مجلس النواب الليبي بشقَّيه، في غدامس، قلق عقيلة صالح؛ خشية الإطاحة به في جلسة مكتملة النصاب.
واتفق نحو 123 نائباً ليبياً في مدينة طنجة المغربية على توحيد مجلس النواب، خلال جلستهم المقررة في غدامس، واختيار رئيس جديد للبرلمان، خاصةً أن عدداً منهم يُحمّلون عقيلة صالح المسؤولية عن انقسام المجلس بين طبرق وطرابلس.
ويكفي أن يجتمع 91 نائباً على الأقل، من إجمالي نحو 180 نائباً، لتكون جلسة مجلس النواب مكتملة النصاب، وقراراته شرعية وتنال اعترافاً دولياً.
ويقدَّر عدد مقاعد مجلس النواب دستورياً بـ200 مقعد، لكن 12 مقعداً في مدينة درنة (شرق) لم يتم انتخابها، لأنها كانت خاضعة لسيطرة تنظيمات متشددة، أما بقية النواب فإما توفوا أو اختُطفوا أو استقالوا.
ويقدَّر عدد النواب الداعمين لعقيلة بنحو 23، فيما بلغ عدد النواب المجتمعين في طرابلس 84، ولا يُعرف عدد النواب المقاطعين للمجلسين منذ نحو 6 أعوام، والذين شاركوا في اجتماع طنجة.