في الكثير من المواقف، نستخدم المثل الشائع “عادت حليمة الى عادتها القديمة” في الثقافة العربية، لنصف عودة بعض الأشخاص إلى حالهم الأولى، وغالباً في إطار سلبي وكأن التغييرات لم تكن كافية ليتخلص الإنسان من عادة سيئة، فنراه يعود كما كان. ولكن لماذا نذكر حليمة على وجه التحديد، ما الذي ارتكتبه هذه المرأة كي يصبح اسمها ملتصقاً بانتكاسة أي تغيير إيجابي؟
من هي حليمة؟
حسب الموروثات الثقافية العربية، فإن حليمة المقصودة في هذا المثل هي زوجة حاتم الطائي المشهور بالكرم.
وحاتم الطائي شاعر عربي وأمير قبيلة طيء اليمانية. عاش في فترة ما قبل الإسلام، واشتهر بكرمه وأشعاره وجوده، بل يوصف بأنه أكرم العرب، وكان ابنه عدي بن حاتم أحد صحابة النبي، عليه الصلاة والسلام.
ومن أشعاره:
وقائلة أهلكت بالـجـود مـالـنـا ونفسك حتى ضربت نفسك جودها
فقلت دعيني إنما تـلـك عـادتـي لكل كريم عـادة يسـتـعـيدهـا
حليمة التي عادت لعادتها القديمة
وحسب الروايات فإن زوجة الشاعر كانت بخيلة وتتجنب وضع السمن في قدر الطبخ.
ويبدو أن الطائي أراد أن يعلِّمها درساً في الكرم، فقال لها إنها كلما زادت ملعقة من السمن زاد عمرها يوماً.
وبالفعل تحسن مذاق طعام حليمة بعدما وضعت الكمية التي يحتاجها من السمن واعتدت على السخاء في طيها.
لكن سرعان ما توفي ابنها الوحيد، فحزنت حزناً شديداً على فراقه وباتت تتمنى الموت.
وانطلاقاً من نفس المنطق الذي أقنعها بإكثار السمن في الطعام ليزيد عمرها، قررت من جديد أن تقلل السمن كي ينقص عمرها فتسارع للقاء ابنها.
ومن هنا، وبعدما عاد الناس لتذوق الطعام قليل السمن قال الناس الذين تناولوا الطعام على مائدة زوجها الجملة التي أصبحت مثلاً شائعاً ما زال يتردد بعد أكثر من 1500 عام “عادت حليمة لعادتها القديمة”.
وفي تفسير آخر للمثل، تتناقل بعض الأدبيات أن حليمة كانت مستاءة من ظهور الشيب على شعرها، وفي الوقت نفسه كان طعامها رديئاً بعض الشيء.
ولكي يشجع حاتم زوجته على تحسين جودة ومذاق الطعام، قال لزوجته بأنها كلما وضعت السمن خف الشعر الأبيض من رأسها.
ولأنها اقتنعت بالفكرة، بدأت بإضافة السمن بكثرة ولاحظ ضيوف حاتم الطائي تحسن مذاق طعام حليمة.
لكن سرعان ما اكتشفت أن النصيحة غير صحيحة وبأن الشيب يغزو شعرها يوماً بعد يوم، فعادت لتقليل السمن في الطعام.
ومن جديد، لاحظ ضيوف حاتم تراجع نكهة الطعام فقالوا المثل الشهير، وأصبحت حليمة مثال لكل انتكاسة سلبية وعودة إلى الوراء.