هاشتاغ-مازن بلال
اتسمت علاقة حماس مع دمشق بطابع حذر منذ أوائل التسعينيات، فطبيعة الحركة كجزء من الإسلام السياسي حكمت بدايات الاتصال، فسورية عانت مع بداية الثمانينات عنفا وإرهابا في صراعها مع حركة الإخوان المسلمين، لكن الظروف اللاحقة أدت إلى إعادة صياغة هذه العلاقة وفق طبيعة الصراع مع “إسرائيل”، ومنذ بداية الألفية تطورت هذه العلاقة بشكل سريع، وعبرت عن توجه سوري إقليمي في رسم محور مقاوم في مواجهة تشتت عربي تجاه المسألة الفلسطينية.
عمليا فإن تواجد حماس في التشكيل الإقليمي بعد عام 2000 كان المحور الأساسي لعلاقتها مع دمشق، فنقطة الارتكاز الأولى كانت الانتفاضة الثانية (2000 م) التي أعادت صياغة العلاقة بين أطراف إقليمية أساسية من طهران باتجاه غزة، وجاء احتلال العراق ليعمق التشابك ما بين طهران ودمشق من جهة وحماس وحزب الله من جهة أخرى، ويمكن فهم هذا السياق وفق ثلاثة محاور أساسية:
الأول؛ إعادة تشكيل المنطقة بعد احتلال العراق، وهو ما دفع دمشق باتجاه بناء علاقات نوعية مع كل من الدوحة وأنقرة، وفي المقابل كانت طهران هي المحور الأساسي الذي استندت إليه دمشق نتيجة الضغوط الأمريكية عليها.
حتم هذا الظرف على دمشق خلق آليات جديدة يمكن اعتبارها البديل الاستراتيجي عن مثلث دمشق – طهران – الرياض، فهذا التحالف تآكل بشكل سريع بعد أحداث الحادي عشر من أيلول ثم سقوط بغداد التي كشفت المنطقة بشكل كامل، ووضعتها أمام احتمالات مفتوحة لخصتها نقاط وزير الخارجية الأمريكية آنذاك كولن بأول، حيث اعتبرت دمشق أن الحديث عن تغيير سلوكها هو إملاءات سياسية.
المحور الثاني كان في اكتساب دمشق أوراقا إقليمية بعد انسحابها من لبنان، وكان الاعتبار الأساسي هو قدرة الضغط على “إسرائيل” في ظل غياب التوازن العسكري التقليدي، فالعلاقة مع حماس أمنت جانبا من هذا الأمر وهو ما رفع حالة التواجد السياسي للحركة في سورية.
كانت دمشق ترى في حماس عاملا أساسيا في توازن القوة مع “إسرائيل”، وبشكل مشابه لما يفرضه حزب الله على صعيد الصراع ضمن محيط “الجغرافية الفلسطينية”، وبغض النظر عما آلت إليه الأمور بعد عام 2011، لكن السياق السياسي أوضح أن حركة حماس كانت تفضل التشاور مع القاهرة في لحظات المواجهة الحاسمة، رغم ذلك فإن سورية بقيت تملك دورا ضمن الموضوع الفلسطيني عبر التواجد السياسي المكثف لحماس على أراضيها.
ثالثا وأخيرا؛ فإن تطورات الأوضاع في غزة وضع سورية أمام خيار لا بد منه في مسألة العلاقة مع حماس، فدعم حماس لم يكن مجرد صياغة سياسية عادية بل يدخل في صلب تكوين الدولة السورية منذ الاستقلال، فالتاريخ السياسي لدمشق مرتبط بشكل وثيق بطبيعة الصراع مع “إسرائيل”.
منذ عام 2011 انهار النظام الإقليمي بعد ما سمي بـ”الربيع العربي”، وكانت تقديرات حماس تتبع ما يحدث في القاهرة من تطورات، وهو أمر متوقع ليس بسبب طبيعة الشكل السياسي المؤقت الذي ظهر مع الرئيس السابق محمود مرسي، بل أيضا نتيجة ارتباط غزة جغرافيا بمعابرها مع مصر.
وبعد أكثر من عقد تعود صورة العلاقات بين حماس وسورية لتثير أسئلة تتجاوز كل إشكاليات حماس ومواقفها السياسية الغائمة، فهناك مرحلة مختلفة تؤشر عليها عودة هذه العلاقة مرتبطة بالتكوين الإقليمي، فحماس في النهاية بالنسبة لدمشق هي شكل الترتيب الإقليمي وذلك بغض النظر عما يمكن أن تصبح عليها هذه العلاقة مستقبلا.