تهدف التشريعات في أي مجتمع من المجتمعات إلى حماية أصحاب المصلحة وتحقيق الاستقرار في الحياة العامة وردع المخالفين ونشر سيادة القانون وتعميم الشفافية والمساءلة، وبالتالي فإن أي تعديل لتشريع ينظم أي جزء من الحياة العامة الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية يجب أن يخضع لفهم دقيق لتغيرات أصحاب المصلحة، أي أن تعديل للتشريع لا بد من أن ينطلق من مجموعة من الأسئلة الأساسية وهي:
هل التشريعات القديمة التي تحكم وتنظم العلاقات بين أصحاب المصلحة أصبحت لا تلبي التغيرات والتطورات؟
هل برزت تغيرات جديدة وجوهرية تدفع باتجاه تعديل التشريعات القديمة؟
هل تغيرت التوازنات بين أصحاب المصلحة التي يحكمها التشريع وبات من الضروري إعادة إنتاج توازن جديد بينهم؟
هل هناك أحد من أصحاب المصلحة يضغط بطريقة ما لتعديل التشريع بما يتناسب مع مصلحته أكثر؟
هل تم تقييم نتائج التشريعات السابقة ومعرفة إيجابياتها وسلبياتها قبل الانطلاق لصياغة تشريعات جديدة؟
وأخيراً ما القيمة التشريعية المضافة للتشريع الجديد؟
وانطلاقاً من تلك الأسئلة الأساسية يمكن لنا أن نسأل الحكومة السورية عن جدوى تعديل قانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك للمرة الخامسة منذ عام 2008م وحتى الآن، وما الهدف من تلك التعديلات الجديدة؟ وهل سيحقق القانون الجديد توازناً جديداً بين أصحاب المصلحة وهم المستهلكين والموردين وبائعي نصف الجملة والمفرق والحكومة وجمعيات حماية المستهلك؟ فها هي الحكومة السورية تعمل اليوم لتعديل قانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أملاً منها في تحقيق التوازن بين مصالح الحكومة والتجار والمستهلكين وفي محاولة جديدة لها لضبط الأسواق التي تعاني منذ أكثر من عشرة أعوام حالة من الانفلات السعري وعدم القدرة على التحكم بأسعار الكثير من المنتجات.
لقد كانت أولى محاولات الحكومة السورية من أجل التحكم بالأسواق الداخلية هو إصدارها القانون رقم 2 بتاريخ 10/3/2008 والتي كلفت حينها وزارة الاقتصاد والتجارة بتطبيق أحكامه قبل أن يعاد إحداث وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في العام 2012.
وفي عام 2013 عدلت الحكومة السورية القانون السابق بإصدارها المرسوم التشريعي رقم 27 تاريخ 9 / 5 / 2013 والذي أصبحت فيه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك هي المسؤولة عن تطبيقه حتى اليوم.
وبعد سنتين فقط من ذلك التعديل عادت الحكومة السورية مرة جديدة وأصدرت قانوناً جديداً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك هو القانون رقم 14 تاريخ 26 / 7 / 2015 الذي ألغت فيه كل من قانون حماية المستهلك رقم 2 لعام 2008 م وتعديلاته الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 27 لعام 2013، وقانون التموين والتسعير رقم 123 لعام 1960، وتعديلاته الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 158 لعام 1969 وبالقانون رقم 22 لعام 2000، وقانون قمع الغش والتدليس رقم 158 لعام 1960م وتعديلاته الصادر بالقانون رقم 47 لعام 2001، وقانون سلامة الغذاء رقم 19 لعام 2008.
وبعد ست سنوات من تلك التعديلات كلها عادت الحكومة مجدداً وأصدرت قانوناً جديداً للتجارة الداخلية وحماية المستهلك بالمرسوم التشريعي رقم 8 تاريخ 12 / 4 /2021 الذي ألغت بموجبه أيضا القانون رقم 14 لعام 2015 وبقيت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك هي المسؤولة عن تطبيقه وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
وبالنتيجة فإن قانون التجارة الداخلية وحماية المستهلك قد خضع لأربعة تعديلات خلال 13 عاماً وشملت تلك التعديلات الكثير من القضايا ذات الصلة بالتسعير والرقابة وجودة المنتجات والمخالفات والغرامات وصلاحيات الوزير المختص وما يتعلق بسلامة الغذاء وغير من التعديلات التي لا مجال للحديث عنها تفصيلاً فما التعديلات الجديدة التي سوف يطالها التشريع الجديد في حال صدوره؟ وما الحقوق الجديدة التي سيوفرها لأصحاب المصلحة؟ وهل سيضمن استقرار الأسواق نوعاً ما؟ وهل سيحقق مصلحة المستهلك فعلاً؟