السبت, مارس 1, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةحوار وطني.. مع الذات

حوار وطني.. مع الذات

هاشتاغ _ رأي: نضال الخضري

 ما يفعله الحوار الوطني يرتبط بـ”العقد الاجتماعي”، وعندما يصبح مع “الذات السورية” فإنه يذهب بعيداً في تشكيل ثقافة الانطلاق مع المستقبل، فالحدث الذي شهدته سوريا ربما يحمل الكثير من الجدل، وبعيداً عن الانتقادات أو المديح فإن ما نحتاج إليه هو معرفة “من نحن” ضمن حوار آخر، يحاول إخراج كل التصورات الممكنة وأشكال المواجهة التي عطلت السؤال الأول (من نحن؟) في رسم هويتنا، فعندما نعرف ذاتنا تصبح مسائل البحث عن عقد اجتماعي مسألة يمكن الوصول إليها من دون مؤتمرات تحمل طابعا إعلاميا أكثر من كونها تأسيسا للمستقبل.

 سؤال الهوية مُغيَّب تغييبا قسريا؛ لأنه يحمل معه تحديات كبيرة ومسؤوليات لا يريد البعض تحملها، فهناك إجابات جاهزة للمسيرة التي بدأت، وإلى الجانب الآخر قلق مختلف من أن صورتنا تحتاج إلى وضوح أكثر في ظل التحول الذي حدث، فنحن لا نشبه تلك الأحلام التي بدأت منذ بداية القرن الماضي، ودفعت الفعل الاجتماعي لبناء تجربة تحديد الهوية، وعاشت سوريا عقودا من انطلاق الفكر في ظل الاحتلال الفرنسي.

 الحوار الوطني مع الذات لن يشبه ما حدث سابقاً؛ فهو شكل آخر من تقييم التجربة وبناء مساحة إضافية لبلد لا يهدده التقسيم؛ بل التحول نحو فقدان تاريخه ومستقبله، والتفكير الجديد ربما يحتاج إلى التجرد من كل الدعاية السياسية، أو التنظيرات بطبيعة السياسات الدولية؛ لأنه مراجعة نقدية وليس اتهامات وشتائم تجعل من الضياع الاجتماعي أمرا واقعا، فهناك تجربة سورية بحلوها ومرها تتطلب منا التروي قليلا وبناء صورة لتآكل السؤال الأساسي عن (من نحن؟).

 هويتنا لا تحددها درجة عدائنا من الآخر؛ مهما كان هذا “الآخر” على المستوى الثقافي أو غيرها من أمور؛ لأن هذه الهوية المستقلة يرسمها “الإبداع” في خلق المسارات للأجيال القادمة، والقدرة على بناء الأحلام التي تآكلت نتيجة الحروب، وهي هوية فيها آفاق المستقبل وليس حدود الماضي، فهذا التفكير هو ما جعل النصف الأول من القرن العشرين حالة أبهرت الأجيال ودفعتها لخلق الاستقلال.

 الحوار مع الذات هو اختبار لاستقلالنا الفكري في قدرته على إعادة لملمة ما تبقى من أحلام مؤجلة، فعندما نبدأ رسْم ملامح القادم سنكتشف أن المغامرة الكبرى في بناء الذات تبدأ من تلك النقطة، وليس من “التلعثم” في البيانات ووضعها فعلاً غير قادر على جعل الصورة أوضح، فالاختبار السوري يبدأ من هذه النقطة التي لا تحتاج إلى دعوات للقاءات جماهرية؛ بل إلى دعوة للخروج من الجدران التي فرضتها العقود الطويلة من الابتعاد عن “الحوار مع الذات”.

 هويتنا يجب أن تكون حالة جمال وليست انتقاماً من الماضي، فما حدث لا نستطيع التعامل معه إلا بقدرتنا على تجاوز نتائجه بدلا من زيادة كم الخوف والذعر من مستقبل غامض، والحوار مع الذات سيجعل حالة الجمال ثقافة؛ لأن الحوار نقدي بطبيعته والنقد هو مفتاح الإبداع، وسيحمل معه كل احتمالات تجربة تجعلنا نقف من جديد.

مقالات ذات صلة