هاشتاغ – يسرى ديب
رفعت الحكومة أسعار العديد من المواد والخدمات، بدءا بالاتصالات، مرورا بالفيول والغاز وصولا إلى الدولار الجمركي.. الخ.
وتترافق قرارات رفع الأسعار بمبررات من نوع استمرار تقديم الخدمة، التكاليف المرتفعة..، ومقابل هذه القرارات التي تترافق بلهيب في الأسعار، واختلاف بسعر السلعة بين الصباح والمساء، تغض هذه الحكومة وسابقاتها الطرف عن وضع المعيشة ومستوى الدخل الميت، وكأن الأمر ليس من اختصاصها، وليست معنية فيه.
عكس ما يصرحون
في قراءته لهذا التباين يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، الدكتور شفيق عربش، إن الحكومة تنقلنا من حالة سيئة إلى أسوأ، على عكس كل التصريحات التي تقول إن هاجس الحكومة هو تحسين مستوى معيشة المواطنين، والكلام المعسول يقابل دوما بإجراءات تزيد الضغط على الناس عبر رفع أسعار السلع التي تقوم الحكومة بتسويقها.
تضخم مرعب
ويضيف عربش: فوجئنا برفع أسعار الفيول ثم رفع أسعار الغاز، وسمعنا حديث السيد وزير الكهرباء على أن هناك رفعاً لأسعار الكهرباء، ورأينا ارتفاع أسعار الدولار الجمركي من 4000 إلى 6500 ليرة.
كل ذلك يؤدي -حسب عربش- ليس فقط إلى ارتفاع في الأسعار، وإنما إلى لهيب فيها، إذ هناك حاليا حالة تضخمية مرعبة جداً تنعكس سلباً على الجميع.
وأوضح عربش: يبدو أن هناك فصام بين الخطاب وبين القرار، فالخطاب يبشر دائماً بانفراجات قادمة، والقرار يؤدي إلى تضييق الخناق على المواطنين، وكل هذا يقودنا من وضع سيء إلى أسوأ، وخصوصاً على أصحاب الدخول المنخفضة.
همها الجباية
وتساءل عربش إن كان ممكناً القول إن الحكومة تدير الأمور الاقتصادية والخدمية في البلد، ليجيب: من الواضح أن الجواب هو لا.. فالحكومة أدارت ظهرها لذلك، وهمها الجباية، وفقط الجباية لأن هاجسها هو خفض عجز الموازنة، والحقيقة: طالما أن الحكومة لا يهمها سوى خفض عجز الموازنة فهي في الحقيقة ترفع من عجز الموازنة، بهذه القرارات.
لاقتاً إلى أنه “لا يمكن بحال من الأحوال أن يستمر وضع الرواتب والأجور عند هذا المستوى المتدني والواقع أنه لا يمكن تسميتها رواتب، وأنا أسميها صدقة من الحكومة، أو أنها تعطينا ما يكفينا فقط لتأمين تكاليف الانتقال من وإلى العمل.”
“مدبر حالو”
أضاف عربش أن هناك وجهة نظر على ما يبدو في رئاسة مجلس الوزراء بأنه لا يوجد موظف “ما عم يدبر حاله”، بمعنى أن هناك شرعنة غير معلنة للفساد.
ويتابع أن هناك من يقول أنه “ما في واحد إلا مدبر حاله، وخلص منعطيه أجور النقل وبيدبر حاله ع حساب المواطنين”.
اعتراف رسمي
وهنالك أمر آخر، إذ صدر مؤخرا ما سمي بالكتاب الإحصائي السنوي، وفيه رقم يتحدث عن أن متوسط إنفاق الفرد هو بحدود 100 إلى 110 آلاف ليرة، أي أن الأسرة المكونة من 5 أفراد بحاجة إلى 550 ألف ليرة شهرياً، حتى تؤمن الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية دون الاحتياجات الأخرى.
ويعلق عربش على ذلك بالقول إنه من باب أولى أن نسأل الحكومة: طالما أنك تعترفين من خلال مؤسساتك أن هذا هو الحد الأدنى لمستوى المعيشة، فكيف تقبلين أن يكون أعلى راتب في البلد 150 ألف ليرة؟!
ويتساءل الخبير الاقتصادي عربش: هل هذه حكومة تدير اقتصاد البلد؟ أم هي تعمل بعقلية التاجر؟ وهي تاجر وترغب بتحقيق الربح.
وفي السياق ذاته، قال عربش إنه لا يعرف على أي أساس حددت الحكومة سعر شراء القمح، وهي عقلية التاجر المبتدئ؛ أن يدفع سعراً ويراقب ردود الفعل، فإن كانت عنيفة يرفع السعر قليلا، وتخرج بعض الأبواق لتقول إن السعر مجز، وهذا كلام غير صحيح، فالدولة تعود لتدفع الثمن، لأنها لم تعد تستطيع من خلال سياسات التسعير المتبعة استلام الكميات المطلوبة، وبالتالي نلجأ إلى الاستيراد بتكلفة أعلى بكثير من الأسعار التي حددناها لاستلام المنتجات من الفلاحين، وباعتقادي أن منظومة الفساد “تلعب لعبتها”.
شماعة العقوبات
وذكر عربش أن المناخ الاستثماري في سوريا أصبح عبئاً على البلد، إذ لا يمكن لأي مستثمر خارجي أن يتجرأ على الاستثمار في ظل هذه الظروف التضخمية وهذه القرارات المتناقضة يوما بعد يوم.
وقال عربش إنه لم يعد أحد من السوريين يقبل تبرير ما يجري بالعقوبات الجائرة على سوريا، صحيح أن هناك أثر لتلك العقوبات، لكن الصحيح أيضا أن الحكومة تراخت جدا في أدائها على أساس أن لديها الشماعة التي تعلق عليها كل أسباب فشلها، وهي العقوبات.
رمي الأرقام
ولفت إلى أن الرقم الذي أعلنه رئيس مجلس الوزراء أمام المجلس المركزي لاتحاد نقابات العمال، عن أن حجم الدعم هو 25 ألف مليار ليرة، يعني أنه أكبر من اعتمادات الموازنة، بحوالي 66 في المئة، وقال: “لا أعرف كيف يتم رمي الأرقام جزافاً”.
يقولون إنهم يدعمون التعليم والصحة.. والواقع أن كل الدول تنفق على التعليم والصحة، ليس دعماً وإنما هو استثمار في بناء الموارد البشرية. و”حاج الحكومة تضربنا منية على أساس أن كل واحد من الوزراء عم يدفعوا هذا الدعم من جيبتهم”.
نقطة أخيرة..
وختم عربش حديثه بالتساؤل عما إذا كانت الحكومة تدرك انعكاس تلك القرارات الفاشلة التي تتخذها على الاحتقان المجتمعي الذي تؤدي إليه.
وقال إن السوريين وبعد الحراك الدبلوماسي، ومشاركة الرئيس بشار الأسد في أعمال القمة العربية الأخيرة، كانوا يتوقعون إجراءات جاذبة للاستثمار، وأن تعمل الحكومة على كبح جماح التضخم، وتأمين المناخات المناسبة لاستثمار سليم في سوريا، “كنا نتأمل ذلك، لكن بكل أسف أرى أن هذه الحكومة تضيع فرصة ذهبية على بلدنا”.