الأحد, ديسمبر 22, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

خلط أوراق

نضال الخضري

أصبح من الصعب التمييز بين المسائل التي تحيط بنا، فنحن نقف في مساحة من حصار الأزمات، وفي كل أزمة هناك صور ومصطلحات وشرائح اجتماعية ينافس بعضها بعضا لتصبح نخبا جديدة، وفي زمن “المزاحمة” تختلط الأوراق وتصبح رؤيتنا لأنفسنا أصعب، لأن مشكلتنا لم تعد في الحرب الطويلة، أو في الوصول إلى “سقف الأزمة”، أو حتى في تبدل الحياة من حولنا حتى باتت الغربة جزءا من تفاصيلنا اليومية، فالمشكلة العميقة أننا نعيش في زمن هش يحتاج بالفعل إلى رؤية مختلفة تتعايش مع الاختلاطات كلها التي نحياها.

منذ بداية الألفية الجديدة أصبحت الأزمات كلها مختلفة بما فيها أزمتنا مع ذاتنا، فصراعاتنا تبدلت ومدننا باتت تملك شكلا مختلفا على الرغم من أنها لم تتغير في مظهرها العام، فالعشوائيات ما تزال موجودة، والمطاعم الفارهة بقيت مكتظة مع ارتفاع معدلات الفقر، والتعايش مع الحروب هو الضيف الثقيل الذي بدل كل شيء، فالمدن هي شخصيتنا التي انهارت معاييرها، واختلطت الأوراق كلها فيها لتنتج صورة للزمن الهش، أو للعوالم التي انهارت انهيارا دراماتيكيا مع اعتياد الحروب.

ربما جعلت الحرب عالمنا أكثر قسوة، لكن الأمر الأكثر وضوحا هو أننا لا نستطيع تعريف ما حدث، فما بين حرب وأزمة يصبح تفكيك ما يجري أكثر صعوبة، وعندما نترك الأوراق كلها للآخرين فإن إعادة إنتاج الأزمات يتبدل أيضا وفق تصورات الآخرين أيضا، وهذا “الخلط” أصبح أكثر تعقيدا، وغدت المنافسة على رسم ما حدث أو ما يمكن أن يجري لاحقا أكثر تعقيداً.

قبل أسبوع؛ في بروكسل، تكرر مشهد إعادة تعريف كل ما يحدث، ومن جديد تمت كتابة الأوراق التي يجب أن نرى فيها صورتنا، والإطار الذي يجب أن نفهم عبره التفاصيل كلها، وهذه الأمور تتكرر مرات عدة كل عام لأنها باتت ثقافة خاصة بأزمة مستمرة على مدار عقد ونصف من السنوات، فهناك أوراق مكدسة فوق مكاتب الهيئات الدولية وصناع القرار في العالم؛ فيها مصطلحات مكررة أو قياسات لنماذج دولية، وصور لأفراد وجماعات باتوا جزءا من تاريخ الأزمة.

الجميع يتبرع لمساعدتنا كي نعيد تعريف الأزمة، أو حتى نرى موقعنا فيها، والهيئات كلها تريد إشراكنا في صياغة حلول بينما يبقى السؤال الملح: هل نحن قادرون على كتابة رواية تلخص كل ما نراه في أزمتنا أو شخصيتنا أو حتى الحروب التي تلاحقنا؟ سرديتنا الخاصة ما تزال بعيدة لأننا لا نفكر بها، فهي غائبة وسط سرديات الآخرين ومصطلحاتهم أو نماذجهم التي أشعلت  حروبا وربما فتت مجتمعات مختلفة، فـ”التعافي المبكر” لنا ربما يظهر في تلك “السردية الطويلة” التي نتشارك في بنائها على شكل “ثقافة منتجة” وننهي بها خلط الأوراق أو تشابك المسائل والأزمات، فنمنح لذاتنا مصطلحات نستطيع فهمها بدلا من التعايش مع سيناريوهات الآخرين، فتتبدل حتى صور مدننا لتصبح جزءا منا نرغب في العيش بها بدلا من رحلات الهجرة المتكررة.

مقالات ذات صلة