نضال الخضري
دراما رمضان ليست موضوعا للنقد، فهي أعمال يصعب فرزها أو التعامل معها كمسلسلات منفصلة عن الحدث الرمضاني الذي يفرض زمنه حتى على تصورات المشاهد، فالجمهور يستقيل طوال العام من مشاهدة الدراما ثم يتم إغراقه بكم يصعب التعامل معه بشكل دقيق، فحتى صناعة الدراما باتت متأقلمة مع حالة خاصة تتركز باتجاه شهر واحد.
لكن الملاحظات تفرض نفسها أحيانا، وتجعل المقاربة الدرامية ضرورة لأن الأعمال التلفزيونية ليست مجرد إحصاء المشاهدة إنما ثقافة اجتماعية تتشكل، وتصورات يتم رسمها بشكل تدريجي، فيبدو البناء الدرامي وكأنه أفق يتم النظر إليه، أو محاولة بلوغه بشكل يستخدم “مخيال اجتماعي” خاص، فأي حديث عن الدراما هو مساحة ندخل إليها وتتوسع، وليست مجرد حدود ضيقة ترسم لنا العلاقات الاجتماعية بشكل عشوائي، أو تظهر كاستنساخ لحالات درامية عميقة.
في “أولاد بديعة” نموذج ينسحب على عملين آخرين الأول مصري هو “العتاولة”، والثاني “مال القبان” الذي يقدم دراما سورية، وهنا يمكن فقط تقديم انطباع أولي عن صراع الأخوة، وعن صورة متجذرة في الكثير من الأعمال الدرامية عالميا، فظلال “الأخوة كرموزوف” تظهر لنا في شكل العلاقات التي تطرحها الأعمال الدرامية السابقة.
صراع الأخوة ليس جديدا، فهو متجذر حتى في ميثولوجيا “قابيل وهابيل” ولكن الصورة الأوسع ليست في تشابك الصراع، إنما في جعل العلاقات بين الأخوة حالة ضمن قاع الحالة الاجتماعية، فالاختصار لكل الأزمات الاجتماعية ضمن صراعات تطرح ثقافة منتهية الصلاحية يبدو استنساخ مشوه؛ يضع العلاقات بين الأخوة ضمن اتجاه واحد لا يحمل معه الحيوية التي نقلها فيودور دوستويفسكي في روايته.
المسألة ليست في تفكيك الأعمال التي يتم عرضها، لكن الانطباعات تبدو ضرورية في زمن سياسي خاص، ووسط حالات اجتماعية ممتدة على طول المجتمعات العربية، فعلى ما يبدو أن رمضان يرسم كل عام خطوة ثقافية لنا تضع حجرا جديدا في العلاقات الاجتماعية وتصوراتها بشكل عام، فالهجوم على أي عمل درامي غير مفيد، لأنه سيكون جدلا ليس إلا.. وربما يكرس اتجاهات أكثر تشتيتا من الدراما التي يتم عرضها.
ربما نعيش زمن الكتابة دون رسم معرفة لخطورة الثقافة التي تتحول بشكل أسرع مما نتوقع، فبقعة الضوء التي تركز على الانهيار الاجتماعي عبر الأعمال الدرامية تشكل هروبا من المواجهة الثقافية، والجلوس على “الخراب” الاجتماعي الذي يشكل هامشا ضيقا من العلاقات الاجتماعية، لكنه على ما يبدو يكون هدفا نهائيا للنخب الثقافية التي تتعامل مع كل الفنون الدرامية.
قصتنا مع الدراما ليست عابرة لأنها مسار يتطور مع كل المساحات التي تتسع كلما قفزت ثقافة الاتصال نحو نقطة جديدة، والأعمال التلفزيونية ستصبح بعد سنوات أكثر من مجرد “تراث” ثقافي، بل أيضا مرجعا لقراءة أنفسنا أو لمعرفة الآخرين بنا، فكما رسمت خيالات المستشرقين سحر الشرق؛ فإننا نضع أمام الآخرين خيبتنا الثقافية كي نرسم شخصياتنا كما ظهرت عبر تكنولوجيا ابتدعها الغرب وأصبحت ثقافة عامة.