ترافقت أحداث درعا مع تحركات دبلوماسية إقليمية لا ترتبط بالضرورة بعمليات المصالحة.
هاشتاغ-رأي-مازن بلال
لكن النشاط الدبلوماسي قدم مؤشرات على تجاوز خطوط الصراع القديمة التي كانت درعا إحدى عقدها، وخلق قواعد علاقات مختلفة لا تؤدي بالضرورة إلى ظهور حلول نهائية للأزمة، إنما خلق هدوء لتقييم ممكنات القوى المختلفة، سواء على صعيد الدول أو حتى المجموعات المسلحة وحتى الأحزاب السياسية وخصوصا في لبنان.
بالنسبة لسورية فإن زيارة وفد لبناني رسمي لها تعد سابقة منذ عام 2011، فهو كسر لسياسة “النأي بالنفس” التي انتهجتها الحكومات اللبنانية المتعاقبة، ولكن ممكنات عودة العلاقات الإقليمية إلى حالة الاستقرار ماتزال مغلقة، فإعادة “خط الغاز العربي” للعمل من جديد هو واقعية سياسية لا ترقى إلى تبديل التوتر، بل لتغيير خطوط المواجهة عبر وضع احتمال لإبعاد دور إيران بشكل جزئي.
عملياً؛ فإن مرور إمدادات الطاقة من سورية يحتاج إلى النظر في محدودية ما حدث، لأن “خط الغاز العربي” هو جزء من شبكة طموحة انتهت عملياً منذ اندلاع المواجهات في سورية، وإذا كانت سورية ضمن هذه الشبكة عقدة رئيسية فإن ما يحدث اليوم يدخل ضمن سياق وحيد يفصل الدور السياسي عن الاقتصادي، وهناك مؤشرين أساسيين في هذا الإطار:
الأول إخراج خطوط الطاقة من معادلة التحكم التي كانت بيد دمشق في السابق، فالشرط السياسي اليوم مازال غائبا عن كافة المفاوضات التقنية لإعادة تأهيل خط الغاز العربي.
كان واضحا من سير التحرك الدبلوماسي الأخير أن الأمر كان هامش تجربة لتقدير المواقف بين الدول الثلاث، ولمعرفة قدرة التحرك الأردني بالدرجة الأولى على تجاوز العقوبات الأمريكية في هذا الموضوع تحديدا، وفي المقابل فإن سير العمل في هذا المشروع يتطلب جهدا أمنيا من قبل دمشق، وضمن شروط فرضت نفسها عبر عملية المصالحة في درعا، فخط الغاز العربي لم يعد شريانا اقتصاديا يصل إلى المتوسط أو حتى تركيا، ذلك أن إمدادات الغاز اليوم فيها الكثير من التشابك وخصوصا مع دخول “إسرائيل” على خط تصدير الغاز.
الثاني حالة التمويل التي يمكن أن تسهّل من إنجاز خط الغاز أو شبكة الكهرباء وتسديد ثمن الغاز المصري، وحتى الآن فإن البنك الدولي هو الممول الرئيس لهذا الموضوع، وبعكس آلية “خط الغاز العربي” الذي كان حالة من توزيع المنافع فإننا الآن أمام شروط مالية جديدة.
عملية الاقتراض من البنك الدولي لا تخص لبنان، فتدفق الغاز ومرور الكهرباء سيجعل سورية ضمن دائرة التأثير، فحتى لو كانت حصة سورية مضمونة فقط من خلال عبور الطاقة، إلا أن هذا العبور أصبح مرهونا بشروط البنك الدولي أولا وأخيرا
بالتأكيد فإن الوصول إلى تفاهمات إقليمية بخصوص الطاقة تبقى مفيدة، وفي المقابل فإن تجاوز العقوبات الأمريكية يجب أن ينظر إليه ضمن الأبعاد السياسية، وفي سياق منح واشنطن أدوارا إقليمية لبعض الدول، فالمسألة ليست مجرد موافقة أمريكية على خط للطاقة، بل هو أيضا محاولة للبدء برسم محاور جديدة في المنطقة.