الجمعة, أكتوبر 11, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةكلام الناس"دكننة" القضاء !

“دكننة” القضاء !

محمد محمود هرشو

بادئ ذي بدء، وقبل الدخول في الموضوع، ومن باب التفسير والبعد عن فتح باب الاجتهاد، فإن المعنى المقصود لمصطلح “دكننة” هو تحويل المكان الى دكان بيع.

وحتى لا يُساء فهم الطرح أو أنال من هيبة القضاء، أو أكون ناقلاً لما تراه أعين دون التفكر في عمق الأمر، لاسيما أن (العدل أساس الملك)، سأطرح الأمر من خلال مقالات متتالية تتناول البنية التشريعية، وآلية التنفيذ، واختيار الأشخاص، والعقد الاجتماعي للدولة، والأهم من كل ذلك أزمة “الثقة” التي يعيشها السوريون مع قضائهم.

لكن في طرح “الدكننة”، وهي أحد أهم العوامل لتردي العدل، جاء نتيجة مطالعة لأكثر من عقد من الزمن، وبعد تواصل مع الكثير من الحالات التي مرت بتجربة التقاضي، خاصة أن كل عائلة سورية تقريبا لها تجربة قضائية. فالأمر إذا ليس من باب التعدي على الآخرين، وهو ليس لوماً لبنية المجتمع السوري لإظهاره وكأنه غير مسالم، بل لتسليط الضوء على حال العدالة في بلادنا، إذ من المفترض أن يكون القضاء ملاذا آمنا لأبسط أو أكبر الخلافات بين الأشخاص والمنظمات، وكلنا سمع بالخليفة الذي أُغلق في عهده دور القضاء بسبب عدم وجود متخاصمين.
ولم يكن ذلك بسبب بنية المجتمع، وإنما بسبب بنية النظام القضائي السليم الذي وصل بعدالته الى حد “صفر مشاكل”.

يعاني قضاؤنا اليوم من مشكلات عدة إذا ما استذكرنا الجانب “التطبيقي” للأمر. وبعيداً عن النص، فإن التطبيق تحكمه المزاجية من حيث الولاءات والاختيار وحتى الامتيازات، بعيداً عن صراحة النص الذي يعطي بوضوح للقضاء استقلاله وفقاً للعوامل التالية:

* عندما يخشى القاضي نقله من محافظة الى أخرى أو من درجة عُليا قضائياً إلى درجة أدنى تبعا للمزاجية وبعيداً عن ضوابط ومعايير معلومة ومحددة بنص فهو غير مستقل.

* عندما تكون قرارات “الإملاء” من الإدارات القضائية هي بوصلة القاضي، وليس ضميره أو النص القانوني، أو قناعته، كونها مذيلة بتهديد “تحت طائلة …” ، فإن القضاء ليس مستقلا.

* عندما تخشى السلطة القضائية ببنيتها الكبرى والمستقلة شخصا أياً كان هذا الشخص، فهي غير مستقلة.

* عندما “تؤمَر” السلطة القضائية من قبل سُلطات أخرى سواء حزبية أو أمنية، وسواء “بمراسلات” مباشرة أو بعلاقات شخصية، أو تحت طمع امتيازات المناصب، فهي ليست مستقلة.

* عدما تعتبر السلطة القضائية نفسها “وزارة” وتصدق أنها من جسم مجلس الوزراء فهي ليست مستقلة.

* عندما تكون احتياجات القاضي المعيشية أضعاف الراتب والبدل الذي يتقاضاه، وعندما يعلم علم اليقين أن زملاء له يملكون الكثير لأنهم “باعوا واشتروا” ، فهو غير مستقل.

* عندما يكون اختيار مكتب القاضي وبيئة عمله ومخصصات وقوده، محكوم بمديره المباشر فإن القاضي ليس مستقلا.

* عندما ينزل الاتصال الهاتفي منزلة “النص” القضائي ويكون إمامةً لمسار العدالة، فإن القضاء غير مستقل.

* عندما يكون مجلس القضاء الأعلى “تابِعاً” لا سيداً وتكون قراراته متفردة، واجتماعاته شكلية، فهو ليس مستقلا.

*عندما يكون القضاء مقابل اجر “التحكيم” ضالة القاضي وهدفه الأسمى مُطبِقاً خلاله قواعد العدالة، وسرعة التقاضي، فيما القضاء “الوظيفي” مِنةً منه على المتقاضين، فهو ليس مستقل.

والأسباب كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، تجعل من العدالة مرتجفة حتى وصل “راكبِوها” الى “الرعشة”، فلم تعد العدالة بخير رغم مُضينا بمسيرة إصلاحية حزبية وأمنية وإدارية، وحتى أجهزة رقابية، لن يردع مُتضرريها، ولن تبلغ غايتها، إلا بإلغاء “دكننة” القضاء بموجب قرار عرفي غير قابل للطعن يُنفذ فور صدوره.

مقالات ذات صلة