هاشتاغ – نور قاسم
تشهد العاصمة السورية دمشق، استمراراً لافتاً لدورات تعليم مهنة التمريض بالتزامن مع وجود أعداد كبيرة من خريجي مدارس وأكاديمية التمريض الذين يعانون من العطالة وقلة فرص العمل.
ووسط تدني مستوى الأجور عموماً بسبب تدهور قيمة الليرة مقابل العملات الأجنبية فضلاً عن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من عقد، فإن معظم الممرضين من خريجي المدارس والأكاديمية الحكومية لا يحصلون على رواتب جيدة أو لا يحظون بوظيفة.
وتتفاقم المشكلة بسبب وجود قطاع موازٍ قوامه آلاف الممرضين الذين تلقوا تدريبات لأيام أو أسابيع ومنحوا شهادات من مراكز تدريب تنشط في العاصمة منذ سنوات.
وخلق هذا الواقع حالة من قطع الطريق أمام الأكاديميين للحصول على وظيفة لأن المشافي تفضل تشغيل المتدربين بسبب قبولهم برواتب أقل من تلك التي يطلبها حملة الشهادات.
وعادة يحصل الأكاديميون على نحو ثلاثمئة ألف ليرة سورية ( أقل من 70 دولار أمريكي) لكن المتدربين يعملون برواتب لا تتجاوز 150 ألفاً، وهو ما يشجع المشافي الخاصة على استقبالهم ولو كان على حساب المرضى.
وبحسب معلومات حصرية حصل عليها “هاشتاغ” فإن المشافي تعمد غالباً إلى تعيين ممرض متخرج من المدارس أو الأكاديمية كمدير لقسم معين بينما يتألف باقي الطاقم من الممرضين المتدربين.
متخرجون عاطلون عن العمل
منذ تخرجها من أكاديمية التمريض في العاصمة دمشق عام 2020 تنتظر سلمى الحايك (28 عاماً)، فرصة عمل، لكنها لم تحظ بها حتى الآن.
وبالرغم من أنها لم توفّر جهداً في طرق “كل الأبواب” باحثة عن شاغر وظيفي، إلا أن كل جهودها بائت بالفشل.
وتقول في مقابلة لـ”هاشتاغ” بلهجتها المحلية: “شفت بعض الفرص بس كان الراتب قليل مقابل دوام طويل ومجهود كبير”.
وينطبق ما تمر به “الحايك” على أوضاع الكثيرين من زملائها العاطلين عن العمل، والذين يعيدون السبب إلى كثرة أعداد المتخرجين من الدورات التمريضية الذين “يقبلون بأي أجر لقاء الحصول على عمل”.
وبدأت هذه الدورات بالانتشار بداية بهدف “تثقيفي” لكن البعض يتهم القائمين عليها بـ”استغلالها من أجل الحصول على فرص العمل”.
ويشدد مسؤولون في القطاع الصحي على “عدم موافقتهم على ما يجري ووعدوا بمنع تجاوز أهداف هذه الدورات، لأن المتخرجين منها يضرون بالمرضى”.
ورغم عدم وجود قانون يسمح بها استمرت دورات التمريض في منح آلاف الشهادات، حصل قسم كبير من أصحابها على وظائف.
وقال أحد المدربين وهو طبيب طلب عدم ذكر اسمه، إنه بدأ بإعطاء دورات تدريبية منذ سبع سنوات، ووصل عدد من درَّبهم إلى “أكثر من اثني عشرة ألف متدرب، لكن كثرة الشكاوى من قِبل نقابة التمريض إلى نقابة الأطباء دفعت العديد للتوقف عن التدريب”.
ولم يخفِ الطبيب حقيقة أنّ “فكرة الدورة أساسها تثقيفي، وأنها عبارة عن شرح لقواعد الإسعافات الأولية، وهي ليست بهدف إتاحة فرص العمل ضمن مجال التمريض”.
وأضاف: “المدرب غير قادر على اختصار دراسة أربع سنوات بدورة تدريبية مدتها أسبوع واحد”.
كما أنّه لا يمكن للطبيب تعليم الكثير من المهارات في هذه الفترة الوجيزة، إضافةً إلى أن شهادة حضور الدورة لا تخوّل صاحبها مزاولة المهنة، ولا يتم تصديقها من الجهات الرسمية، بحسب الطبيب.
تبادل اتهامات
لكن هذا الواقع لا يمنع وجود مئات الحاصلين على شهادة دورة تمريض ضمن أقسام بعض المستشفيات الخاصة.
ودافع الطبيب المدرب عن هذه النقطة بالقول إنّ: “فرص العمل التي تُسرَق من الأكاديميين لا تتحمل مسؤوليتها الدورات التدريبية بل تتحمل مسؤوليته الجهة الموظِّفة”.
وطالب “الجهات المعنية” سواء نقابة التمريض أو الأطباء بالعمل على إيقاف عمل المتدربين، لا إيقاف الدورات التي هدفها “تثقيفي وتوعوي”.
وكشفت رئيسة فرع دمشق لنقابة التمريض والمهن الطبية والصحية منى حسن، في تصريح خاص لـ”هاشتاغ”
عن تجاوز عدد الشهادات الممنوحة للمتدربين حتى الآن لـ”عشرين” ألف شهادة.
ولفتت “حسن” إلى أن المشكلة الأساسية هي أن هذه الدورات “تهدف لتمكين مرتاديها للعمل في المراكز
الصحية والمشافي الخاصة، وليس بغرض التثقيف فقط كما يدّعي المدربون”.
وأضافت: : “يعاني آلاف الأكاديميين الخريجين من عدم حصولهم على فرصة عمل”.
وعادت “حسن” وذكّرت بأن نقابة التمريض لا تمنح أي ترخيص لإقامة مثل هذه الدورات، بل “تسعى إلى محاربتها”.
من جهته قال نقيب أطباء دمشق عماد سعادة لـ “هاشتاغ” إن أي دورة تدريبية تُعنى بالتمريض ويرغب الطبيب بالتدريب فيجب عليه إعلام نقابتي الأطباء والتمريض، والتنسيق بشكل أساسي يجب أن يكون مع نقابة التمريض والمهن الطبية والصحية.
مشكلة شائكة
تقول منى حسن رئيسة فرع نقابة الممرضين: “من المفترَض إقامة دورات تقوية لكوادر التمريض وطلاب الطب بشقيه البشري والأسنان إضافةً إلى الصيدلة ضمن برامج مدروسة وتحت إشراف النقابة من خلال فريق عمل مؤهل على أن يكون هدف الدورة تثقيفي وليس لممارسة العمل”.
لكنها عادت وأكدت على مشكلة توظيف خريجي الدورات واحتمالية وقوعهم في الأخطاء وتضرر المرضى.
ولفتت إلى أن موضوع الدورات أصبح شائكاً وخلق أزمة حقيقية أدت إلى امتعاض الكوادر التمريضية الذين
دَرَسوا لسنوات سواء في الأكاديمية أو مدارس التمريض ليشاركهم في سوق العمل أشخاص ليس لهم أي صعلة بالمهنة.
بدوره، قال عماد سعادة: “استقدام أشخاص لتدريبهم في بعض المشافي الخاصة لتوظيفهم هو ليس بالإجراء
المناسب، والحِسابات التي تحسبها سواء المستشفيات أو المراكز الصحية من ناحية التوفير كَون غير المختص راتبه أدنى تنعكس على نوعية الخدمة المقدّمة للمريض وتالياً على سمعة المستشفى”.
وأما ما يخص توظيف متدربين في عدد من المستشفيات الخاصة فأشار كل من نقيب أطباء دمشق
ورئيسة فرع دمشق لنقابة التمريض والمهن الصحية والطبية إلى “الاستعداد للتعاون الكامل مع مديريات الصحة لضبط مثل هذه الحالات”.
ووصفت “حسن” دورات التمريض بـ”البدعة” والهدف منها “جمع المال تحت مسمى التثقيف الصحي”، وفق تعبيرها.
وأشارت إلى أن بعض أصحاب الدورات ليس لديهم خلفية علمية كافية إضافة إلى استحالة الحصول على مجمَل
المعلومات التي تخص عمل الممرض خلال الدورة التدريبية والتي لا تتجاوز مدة خمسة عشر يوماً.
وعبر “سعادة” عن رفض النقابة للأسلوب الدعائي الذي يستخدمه القائمون على هذه الدورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وشدد على ضرورة وجود دورات تدريبية “منظمة وتخدم مهنة التمريض، سواء عبر متابعة آخر التطورات العلمية
للممرض الأكاديمي، أو حتى من خلال الدورات التثقيفية والتوعوية لغير الأكاديميين”.
شروط ووعود
وفي تفصيل آلية عمل هذه الدورات، بيّن “سعادة” الشروط التي يجب أن تتوفر في المدرب، وهي حسب قوله:
“يجب أن يكون مؤهلاً لنقل المعلومات بشكل دقيق، وقادر على إيصال المعلومة ومؤهل للتدريب وليس
فقط الاهتمام بالربح، كما يجب أن يكون المدرب مرَاقَب من لجنة تُشرِف على أداء هذه الدورات”.
في حين، وعدت منى حسن بـ”محاربة وردع كافة هذه الدورات التدريبية، وخاصةً أن وزارتي الصحة والشؤون
الاجتماعية والعمل أصدرتا تعاميم باعتبار مثل هذه الدورات مخالفة وإمكانية الشكوى عليها وإيقافها”.
وأشارت إلى أنه يمكن اللجوء إلى القضاء والضابطة العدلية للحد منها.
وقالت “حسن” إنه تم مؤخراً التنسيق مع وزارة الخارجية السورية بعدم قبول تصديق أي شهادة تُعنى بالتمريض
ما لم تُختَم و توقَّع من النقابة، وأنه من المفترَض عدم وجود شهادات مصدقة حالياً.
لكن “سعادة” شدد على أنّ منح شهادات اسعافات أولية “يجب أن يكون من صلاحية وزارة الصحة وبعلمها وموافقتها مسبقاً”.
وإلى حين إيجاد حل للمشكلة لا تملك سلمى الحايك سوى الانتظار وبذل المزيد من الجهود للحصول على
فرصة عمل تناسبها بعد أن قضت أربع سنوات في الدراسة.
وتقول: “من الضروري أن تتحرك الجهات المعنية للحد من انتشار هذه الدورات”.
وتضيف: “ينبغي توسيع الملاك للأكاديميين الذين يلزم القانون توظيفهم في المشافي العامة بعد التخرج
ليتسنى العمل لأكبر قدر ممكن من الخريجين”.