هاشتاغ – جلنار العلي
يجلس المواطن السوري بشكل يومي يترقّب قرارات ارتفاع الأسعار التي ستصدرها حكومته، ويتسمّر أمام شاشة هاتفه المحمول واضعاً يده على قلبه مناجياً ربَّه ألّا يكون القرار التالي يطال الهواء الذي يستنشقه.
إذ لم تسلم أي خدمة أو سلعة من قرارات رفع الأسعار، التي طالت الدواء والماء والكهرباء والخبز والسكر والرز والغاز والمواد النفطية والغذائية جميعها، بذريعة أن “هذا القرار لمصلحة المواطن، وللقضاء على السوق السوداء، من خلال توفير السلعة بالأسواق النظامية ومنافذ التدخل الإيجابي”.
تفوّق بزيادة الأسعار
المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء والأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق شفيق عربش، يرى في تصريح لـ “هاشتاغ” أن عام 2021 يتفوّق برفع الأسعار إذ لم يشهد المواطن من حكومته سوى قرارات لزيادة الأسعار، ولم يبق مادة تقول عنها الحكومة السورية أنها “مدعومة” إلا وارتفع سعرها بنسبة 100% بالحد الأدنى، لافتاً إلى أن تأثير ذلك على المواطن كان مزيداً من الفقر وسوء التغذية والطوابير على بعض السلع، وتراجع آخر بمستوى المعيشة الذي كان متردياً بالأصل.
بعضٌ من قراراتهم
“هاشتاغ” رصد قرارات رفع الأسعار التي تفضّل الحكومة تسميتها بقرارات “تحديد الأسعار” لعدة مواد وخدمات في عام 2021، وذلك ليتسنّى لنا الحديث مع أهل الاختصاص عن تأثيرها على الحياة المعيشية للمواطن وعلى مدى تحقيق الغاية المنشودة من رفع أسعارها.
وكانت البداية من المواد النفطية، إذ شهد العام الحالي 10 قرارات لرفع أسعارها -المدعوم منها والحر- ثلاثة منها للبنزين أوكتان 90 المدعوم والموزع عبر البطاقة الذكية، ليصل سعر اللتر الواحد منه إلى 1100 ليرة بعد أن كان في بداية العام 450 ليرة فقط.
بينما ارتفع سعر لتر البنزين أوكتان 95 من 1050 ليرة في بداية العام إلى 3000 ليرة من خلال أربعة قرارات وذلك في غضون ستة أشهر فقط، فيما لم يشهد المازوت المدعوم سوى قراراً واحداً لرفع سعر لتره من 180 ليرة وحتى 500 ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة للتر المازوت غير المدعوم حيث وصل سعره إلى 3500 ليرة بعد أن كان 2400 ليرة.
وبحجة عدم توافر المازوت الصناعي للصناعيين وارتفاع أصواتهم لتوفيره لاستمرار الصناعة الوطنية، أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً في شهر تشرين الأول الماضي برفع سعر اللتر منه بنسبة 161% ليصل إلى 1700 ليرة بعد أن كان 650 ليرة.
وارتفع سعر أسطوانة غاز البوتان المنزلي المدرجة على البطاقة الذكيّة، مرّتين ليصل إلى 9700 ليرة، في حين وصل سعر أسطوانة الغاز الصناعي المدعومة إلى 40 ألف ليرة بقرار واحد، فيما أصدرت الحكومة في شهر تشرين الأول قراراً برفع أسعار مبيع أسطوانة الغاز للجهات العامة ذات الطابع الإداري والاقتصادي والبلديات والوحدات الإدارية والفرعية، ليصل سعر المنزلي منها إلى 30600 ليرة، أما الصناعي فوصل سعرها إلى 49000 ليرة.
المواد المدعومة أيضاً!
كما طالت الارتفاعات صالات السورية للتجارة، حيث ارتفع سعر مادتي السكر والرز المدرجتين عبر البطاقة الذكية إلى 1000 ليرة أي بمقدار زيادة يصل إلى 20% للسكر و10% للرز، كما رفعت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك سعر لتر الزيت النباتي إلى 7200 ليرة بعد أن وصل سعره في الأسواق إلى 11 ألف ليرة وبكميات قليلة جداً بسبب احتكار التجار للمادة.
ولم يكن الخبز بمنأى عن قرارات رفع الأسعار على الرغم من أنه المادة الأولى التي يجب أن توفّرها الحكومات لمواطنيها، حيث أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في شهر تموز من العام الحالي قراراً برفع سعر ربطة الخبز بنسبة 100% ليصل سعرها إلى مئتي ليرة.
أما الدواء فكان له حصّة مميزة من قرارات الرفع، فبعد التهديد والوعيد الذي صدر من أصحاب معامل الأدوية بقطع الدواء إذا لم تصدر الجهات المعنية قراراً برفعه، خضعت وزارة الصحة لهذه المطالب واعترفت بأحقّيتها، إذ أصدرت قرارين لرفع الأسعار، الأول كان في شهر حزيران الماضي والذي طال 11819 مستحضراً دوائياً وكانت نسبته تتراوح بين 30-40%، أما القرار الثاني فكان في منتصف الشهر الحالي حيث أصدرت وزارة الصحة قراراً برفع سعر 12758 مستحضراً دوائياً بنسبة 30% وذلك بعد يوم واحد من المرسوم الرئاسي القاضي بزيادة الرواتب بنسبة 30% أيضاً.
واستمر مسلسل رفع الأسعار حتى وصل إلى الكهرباء، حيث أصدرت وزارة الكهرباء قراراً برفع أسعار الكهرباء في معظم شرائحها بنسب تراوحت بين 100-800% حيث استهدف هذا القرار الشرائح المستهلكة للكهرباء بنسب كبيرة، إذ حددت التعرفة الجديدة سعر الكيلو واط للكهرباء التجارية والصناعية بـ 120 ليرة سورية بعد أن كان سابقاً بـ 32.5 ليرة.
وعلى الرغم من أن بناء غرفة في أحد ضواحي دمشق أصبح ضرباً من ضروب الرفاهية بالنسبة للمواطن، إلا أن الارتفاع طال أيضاً أسعار مواد البناء حيث وصل سعر طن الإسمنت المعبّأ “البورتلاندي” عيار 42.5 إلى 255.1 ألف ليرة، والفرط إلى 222.45 ألف ليرة، في حين وصل سعر الطن المعبأ منه عيار 32.5 إلى 211.2 ألف ليرة، والفرط إلى 181.3 ألف ليرة.
كما سجلت أسعار الحديد في سورية ارتفاعاً بنسب كبيرة تزامناً مع ركود سوق العقارات، حيث وصل سعر طن الحديد المبروم المخصص للبناء إلى 3.5 مليون ليرة.
ارتفاع السلع بنسبة 200%
وأكد الدكتور عربش، أن أسباب ارتفاع الأسعار تعود إلى انخفاض سعر العملة السورية أمام العملة الصعبة، إضافة إلى الارتفاع العالمي لأسعار المشتقات النفطية، معتبراً أن هذه الارتفاعات في الأسعار لم تسهم أبداً في توفير المادة، بل جاء انعكاسها تضخمي أكثر مما يجب أن يكون، مضيفاً: كما أن ارتفاع أسعار الكهرباء بشكل مبالغ به أدى إلى زيادة في الأسعار، حيث تجاوزت نسبة الارتفاع 200% في بعض السلع بالنسبة للعام الحالي.
وأردف أن “الإجراءات الحكومية في عملية رفع الأسعار لسد فجوة العجز بالموازنة العامة للدولة، دون تأمين المادة ساهمت إلى حد كبير في زيادة التضخم بنسب عالية جداً، فمثلاً عدم توفير الكهرباء والمازوت واللجوء إلى المولدات، وتأمين المازوت من السوق السوداء من قبل بعض الفعاليات، أثّر سلبياً على الأسواق، ناهيك عن أن كل قرار رسمي لرفع الأسعار يساهم في رفعها بالسوق السوداء أيضاً”.
توقعات: نحو 90% من السوريين فقراء
في السياق، توقع عربش أن تتجاوز نسبة الفقر في البلاد 90% بعد قرارات رفع الأسعار، وذلك بعد أن وصلت بالمسح الأخير الخاص بالأمن الغذائي والذي قام به برنامج الغذاء العالمي بالتعاون مع هيئة التخطيط الدولي والمكتب المركزي للإحصاء إلى 83%، في حين وصلت نسبة الآمنين غذائياً إلى 6% فقط.
80 مليون ليرة لبناء وإكساء 100 متر مربع
وفيما يخص ارتفاع أسعار مواد البناء وتأثيرها على سوق العقارات، بيّن الأستاذ الجامعي والخبير الهندسي محمد الجلالي لـ “هاشتاغ”، أن تكلفة بناء وإكساء متر مربع واحد وفقاً للأسعار الحالية يصل إلى 800 ألف ليرة في المناطق العشوائية، ويرتفع في الأبنية البرجية والمنظّمة ليصل إلى مليون ليرة، وذلك بسبب تكاليف المرافق كالأقبية والمصاعد التي تشكل حوالي 30% من كلفة المتر مربع، وبذلك يكون تكلفة بناء وإكساء شقة سكنية بمساحة 100 متر تصل إلى نحو 70-80 مليون ليرة.
في 2021 أسعار العقارات ترتفع إلى 50%
ويعتبر الجلالي أن أسعار العقارات على الرغم من ارتفاعها بنسبة تتراوح بين 30-50% في العام الحالي، فإنها تتناسب مع تكاليف الإكساء التي باتت مرتفعة أيضاً، وذلك لعوامل داخلية عدة منها انخفاض الليرة السورية والتضخم، إضافة إلى العوامل الخارجية المتمثلة بإجراءات الاستيراد والارتفاع العالمي للأسعار بسبب جائحة كورونا وارتفاع أجور النقل وأقساط التأمين وغير ذلك.
وأضاف: “ولكن هذا لا يعني أنها تناسب المواطنين ذوي الدخل المحدود الذين يتقاضون أجراً ثابتاً بالشهر، وهم يمثلون أكبر شريحة بالمجتمع، فمثلاً قبل 10 سنين كان بإمكان الموظف الاقتراض من مصرف ما لشراء منزل والتسديد من راتبه على مدى 5-10 سنوات وذلك حسب سعر المنزل، أما اليوم فمن المستحيل أن يستطيع المواطن شراء منزل من راتبه حتى إذا كان بالتقسيط، لأن ذلك يعني أن كل قسط يجب أن يصل إلى مليون ليرة شهرياً، وهذا الأمر لا توفره الأجور الحالية”.
منازل بـ 3 مليارات ليرة في “مالكي” دمشق
وحول أسعار العقارات الجاهزة للسكن، بيّن الجلالي أن سعر المتر المربع الواحد يصل في بعض المناطق بضواحي دمشق إلى 1.2 مليون ليرة بكسوة متوسطة، أي يصل سعر أي منزل بمساحة 80 متر مربع في السكن الشبابي بضاحية قدسيا إلى 100 مليون ليرة، ويرتفع سعر المتر المربع في مشروع دمر وبعض المناطق من دمشق ليصل إلى 4 ملايين ليرة، وفي منطقة كفر سوسة يبلغ سعر المتر المربع الواحد حوالي 10 مليون ليرة.
وأردف: “ذلك يعني أن الحديث عن منزل سعره مليار ليرة سورية بات أمراً متداولاً وليس مستغرباً، ففي منطقة المالكي تُباع بعض المنازل بثلاثة مليارات ليرة”.