هاشتاغ-رأي- عصام التكروري
طالما أدهشني أولئكَ الأحياءُ الذينَ يُصرّونَ على الغرقِ وهم ممسكونَ بصخرةِ اليأسِ بدلَ “النجاة” وهم متعلقون بقشةٍ اسمها “وَهمُ الخلاصِ”.
هذا الوَهمُ الذي تتنوعُ أشكالهُ في أزمنةِ العجزِ فنرى مثلاً أنَّ الناسَ يزدادُ استهلاكها للقهوةِ بحثاً عن “طاقةِ فَرَجٍ” تلوحُ في ظلمةِ البنِّ المترسبِ في قعرِ الفناجين.
كما ويرتفعُ ـ في الأزمنةِ عينها ـ إقبالُ الناسِ على شراءِ بطاقاتِ اليانصيبِ أملاً بالفوزِ بالجائزةِ الكبرى …. حتى ولو بالدورةِ التجريبية.
في أزمنةِ العجزِ تلك يتنحى الكشفُ المبكرُ عن العللِ الكامنةِ لصالحِ الاهتمامِ بعملياتِ التجميل أملاً بلحظةٍ كثيفةٍ “فتنويا” تؤخرُ ـ ولو إلى حين ـ إيقاظَ فتنةِ المرضِ.
كلُّ ذلكَ يبدو طبيعياً ففي أزمنةِ العجزِ ذاتها يُطلقُ “المعترون” على “الوَهمِ” مُسمى “الأمل” كي يقايضوا موتَ “الفجأة” بموتٍ يتبخترُ على دفعات.
وفي أزمنةِ العجزِ يحلو للناسِ الحديثَ عن قيامةِ الفينيقِ، لكنَّهم لا ينتبهونَ إلى أنَّ جمرَ نراجيلهم مصنوعٌ من رمادهِ.
في أزمنةِ الحِرمان تنتعشُ ألاعيبُ العقلِ فيتبادلُ الناسُ الأقوالَ المأثورةَ عن فضائلِ الفقرِ بينما تحنُّ قلوبهمُ إلى جميعِ “رذائلِ” أزمنةِ الخيرِ.
يعللونَ النفسَ بأنَّ الأيامَ السوداءَ لنْ تدومَ، لكنَّهم لا يعرفونَ (والأصح أنّهم ولا يرغبونَ بمعرفةِ) كم سيمكثُ سَخامُ هذه الأيام.
يمجّدونَ الضربةَ التي لا تقصمُ الظهرَ، لكنهمْ لا ينتبهونَ إلى أنَّ بعضهم باتّ لا ظهرَ لهُ، وبعضهم ظهرُهُ إلى الحائطِ، والبعضُ الآخرُ يتكئ على خنجر.
في أزمنةِ القهر تنسى الجماهيرُ أنَّ “الأملَ هو إرادةُ الشخصِ في تحصيلِ شيءٍ يمكنُ حصولَهُ” ( كتاب فتح الباري ـ ابن حجر)
فالأملُ إذاً يبدأُ بتوافرِ العناصرِ الأوليّة التي تُنبي بأنَّ المأمولَ قابلٌ للوجودِ كي تتجهَ الإرادةُ إلى تخصيبِ عناصرِ وجودهِ وتحيلها إلى أمرٍ حاصلٍ.
من هنا كانَ الأملُ بغدٍ أفضلٍ يتطلبُ حاضراً تتوافرُ فيهِ إمكانيةُ الحياة لجنينٍ اسمهُ المستقبل، ويتطلبُ أنْ تتجهَ الإرادةُ المشفوعةُ بالعملِ لتخصيبِ إمكانيةِ الحياةِ تلك فمن دونِ ذلكَ نكونُ أمامَ حملٍ كاذبٍ من أبٍ اسمهُ الوهم وأمٍّ اسمها المَذلّة.
في أزمنةِ الخواءِ:
الأملُ آخرُ منْ يموت … لأنَّه آخر من يُولَد،
الأحلامُ لا سقفَ لها … لأنَّ أصحابَها يعيشونَ في العراءِ،
والضوءُ الذي يلوحُ في آخرٍ النفق ليسَ إلا بدايةً لنفقٍ جديدٍ.
تتعددُ صفات الأزمنة الموحشة، وتتنوعُ في وصفها عباراتٌ مفعمةٌ بالقسوة، عبارات “مثلها مثل المساميرِ الحادةِ.
تفرضُ الحقيقةَ على ذاكرتنا” (الفيلسوف ديدرو) لذلكَ ـ وفي هذا الزمانِ المُوحشِ ـ كُنْ حريصاً على أنْ مُحدثكَ لا يحملُ مسدساً قبلَ أنْ تطلقَ عليهِ عبارةً تقولُ: إنّنا محكومونَ بالأمل.