هاشتاغ-نضال الخضري
عبر محاضرة بعلوم البيانات في جامعة ماكجيل ” McGill University” في مونتريال قدمها الأستاذ نبيل بيتنجانه؛ أسقط مسألة البيانات على مجمل من الأمور التاريخية والمعاصرة، والمسألة الرئيسية فيما عرضه الأستاذ بيتنجانه مرتبط بـ”النقاط” المأخوذة تاريخيا وطريقة الربط بينها لتقديم “سردية” تاريخية أو حتى معاصرة تعطينا تصورا للمستقبل، وبالتأكيد ففي أي سردية – حسب المحاضرة – ورغم الاعتماد على البيانات، سيظهر تحيز ما عبر عملية الربط سواء بين المعلومات أو حتى جغرافية اختيار البيانات.
من المفترض أن الأرقام حيادية إلا أن أي محلل لها سيحتاج إلى “سردية” من تلك الأرقام، وللمفارقة فإن الأستاذ بيتنجانة اعتمد على كتاب جده “ميخائيل مشاقة” (مشهد العيان في حوادث سورية والشام) الذي أرّخ لأحداث 1860 في جبل لبنان، والجغرافية التي انتقل فيها التأريخ ليست بعيدة عن العلاقة مع السردية الخاصة بتلك الفتنة، فهناك مدن وحدث يعبر فيها، في المقابل هناك كاتب يتنقل في هذه المدن التي تصبح نقاطا في علم البيانات يمكن وصلها بطرق مختلفة للوصول إلى روايات مختلفة.
وفق هذا التصور ستغدو سوريا والحياة عموما سردية أو رواية مشتقة مما يتوفر من بيانات، سواء كانت مرويات شفوية أو معلومات استقصائية، وفي كل رواية هناك شخصيات اجتماعية تظهر لتكمل سير الرواية وتحدد “أبطال” القادم، ومن تقاطع السرديات المختلفة هناك قصص جديدة ستظهر وتتطور باتجاهات مختلفة، وفي سوريا مع التاريخ الطويل علينا تخيل عدد الروايات التي تحكم قناعاتنا أو رؤيتنا للحاضر والمستقبل.
الأمر الصادم أننا لابد أن نواجه الحياة كرواية، أو روايات، تحمل من التحيز بشكل يصعب الهروب منه، لأن الدقة لا ترتبط بالمعلومة والأرقام أو غيرها إنما بالعلاقة التي تحمل بطبيعتها التحيز وحتى “النتائج” التي تحملها، وبقدر قوة “الصدمة” فإن معرفة تعدد الروايات يؤدي إلى مساحة مختلفة بتفكيرنا، فنحن نعترف أن روايتنا شأنها شأن كافة السردية “متحيزة”، وعلى المقلب الآخر هناك العلاقة التي تظهر بين كافة المعطيات لتكون الرواية، وفيها إمكانية القراءة وفهم أن سلسلة العلاقات هي التي تشكل في النهاية روايتنا.
نفهم اليوم الأزمة السورية وفق سياقات من العلاقات، ونتعرف على استحالة إيجاد “سردية” واحدة لأن طبيعة الحياة على ما يبدو تسير على شاكلة التنوع، وهو أمر يرسم الصراعات التي تتصاعد وتخفت وفق إدراكنا لمسألة التنوع، وأن سياق العلاقات على اختلافها ستسير مهما حاولنا توخي الدقة في المعلومة والمعطيات، فنحن والتنوع سردية إضافية تحتاج إلى تفكير كي نكسب علاقة تخفف من التوتر الذي تفرضه طبيعة الحياة أو حتى ضرورة استمرارية البقاء.
نحن رواية تنسجها علاقاتنا رغم أن الدراما السورية تحاول إضفاء شكل ملحمي عليها، لكن “الأبطال” هم بشر عاديون تماما ويتمايزون بنوعية وصلهم للنقاط – المعطيات ليرسموا الصراع في الحياة، وهو ليس صراعا ملحميا على شاكلة “زند العاصي” إنما إبداع في تشكيل رواية للحياة تستطيع في النهاية وضع خط جديد في رواية الحياة.