هاشتاغ سوريا – إيفين دوبا
بدون أية مقدمات، يمكن القول إن الأبنية المخالفة بعد صدور المرسوم 40 لعام 2012، هي تجاوزات لها منحى “الفساد الوقح”، الذي يلتف القائمون عليه على القوانين و”يسخّفون” تعليماتها التنفيذية، بكل علانية، فلا هو فساد يختبئ، ولا هم فاسدون يتوارون خوفاً من المحاسبة والمساءلة.
هو فساد ينتهك القانون تحت مسمى “استثناءات” تنطوي في ظاهرها وباطنها، على: رشاوى، وسرقة مال عام، وهدر، وكسب غير مشروع، وسمسرة، وتزوير، وتقصير، وإهمال مقصود للعمل، وإساءة استخدام الصلاحيات الممنوحة، واستغلال النفوذ، لتحقيق مصالح القائمين عليه الشخصية والخاصة جداً.
هذه الظاهرة التي “تغوّلت” في الأعوام الثلاثة الأخيرة، بعد أن بدأت قبل صدور المرسوم 40 واستمرت ونمت وازدهرت عبر شبكات سمسرة وممولين بـ”الدولار” بعد صدوره، أوجدت واقعاً يعوّل على إنهائه أو على الأقل معالجته تباعاً، بقرار حاسم على أعلى المستويات، يفعّل مبدأ المحاسبة، ويعيد مئات الملايين التي جناها السماسرة والفاسدون من وراء هذه المخالفات.
فرصة اقتنصها السماسرة
عندما صدر المرسوم 40، كانت الغاية منه وضع حد لكل من سعى إلى اغتنام فرصة الأزمة، التي لم تنته بعد، لإنشاء بنائه الخاص المخالف لكل التعليمات والقوانين والمراسيم السابقة.
هذه الفرصة، التي اقتنصها سماسرة وتجار الأزمة للإثراء السهل، جرت بناءً على موافقات من جهات حكومية، ناقضت وهي المعنية بتطبيق القوانين والمرسوم 40، المرسوم نفسه والقوانين السابقة، وضربت بعامل سلامة الأبنية وقاطنيها، والحفاظ على أملاك الدولة ومالها العام “عرض الحائط” تلبية لمصالحها الشخصية.
فبعد صدور المرسوم 40 لم تتوقف أعمال البناء في المخالفات ومناطق الأرياف، وخاصة ريف دمشق، بل على العكس ازدادت ونمت وتحولت إلى تجارة رابحة، وذلك بسبب استغلال البعض الفترة الانتقالية للمرسوم وصدور تعليماته التنفيذية.
وحتى بعد صدور تلك التعليمات، استمرت تلك المخالفات في وضح النهار، وعلى أعين المسؤولين عن قمعها أو برعايتهم، عبر استصدار الموافقات اللازمة، واثقين –غالباً- أن هذه الأبنية المخالفة شيدت لتبقى بموجب “التسوية” كما حصل في مرات سابقة.
في شرح “الإزالة”
البداية من شرح المرسوم، والذي صدر بنص واضح، يفيد بأنه يجب إزالة الأبنية المنشأة بعد تاريخ هذا المرسوم، ومع تضمنه اصطلاح “تسوية المخالفات المشادة”.
وفيما يخص النقطة الأولى، المتعلقة “بإزالة المخالفة”، فهذا يعني أن يتم هدم البناء المخالف أو الجزء المخالف منه، والذي يتناقض مع المادة الثانية من المرسوم، التي تنص على إزالة الأبنية المخالفة بعد تاريخ صدور هذا المرسوم مهما كان نوعها وموقعها، وفرض غرامات مالية، والحبس بحق كل من تثبت مسؤوليته عن المخالفة، وكذلك العاملون في الجهة الإدارية؛ المقصرون في أداء واجبهم بقمع المخالفة.
أي أن الأبنية التي يتم إنشاؤها بعد تاريخ صدور المرسوم ستتم إزالتها بشكل كامل دون اللجوء إلى أي قانون قد يحميها، أو دون إعطاء الفرصة لتسويتها؛ حيث أوضحت المادة: “إزالة المخالفة وفرض غرامة على المخالفين، إضافةً إلى فرض عقوبة الحبس بمدد مختلفة بحسب المخالفة المرتكبة”، وفصّلت هذه العقوبات بدءاً من شهر إلى 3 أشهر، وصولاً إلى 10 سنوات من الأشغال الشاقة، وثلاثة أضعاف الغرامة في حال انهيار المبنى ووفاة شخص.
اللافت، أنه وعلى أرض الواقع، يتبين أن الجهات “العليا” التي ناقضت المرسوم وتحديداً في مادته الثانية الفقرة “أ” سمحت أو منحت أو اتفقت مع المتعهدين على تشييد أبنية مخالفة على الأملاك العامة أو أملاك الدولة أو الأملاك الخاصة للدولة أو أملاك الوحدة الإدارية ضمن الحدود الإدارية أو خارجها. وهذه المخالفة نص المرسوم صراحة على أن عقوبة من تثبت مسؤوليته عنها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة سواء كان مالكاً أو حائزاً أو شاغلاً أو متعهداً أو منفذاً أو مشرفاً أو دارساً للبناء، وكذلك العاملون في الجهة الإدارية المقصرون في أداء واجبهم بقمع المخالفة.
في تفاصيل “التسوية”
أما بالنسبة إلى الجزء الآخر المتعلق بـ”التسوية”، فهي لا تعني أن كل المخالفات، التي جرت قبل هذا المرسوم قابلة للتسوية، وإنما يجب أن تزال المخالفات القابلة للتسوية، ولكنها تخالف الشروط الإضافية كاعتراض الجوار برفع دعوى في المحكمة. وهنا تخضع هذه المخالفة لقوانين الإزالة في حال تم الحكم بصحة الدعوى، وتؤخذ تفاصيل المرسوم 59 في الاعتبار، من أجل تحديد نوعية المخالفة، وبالتالي كيفية إزالتها والعقوبات التي تفرض على مرتكبيها.
مرسوم 40 وأكثر من 50 قانون!
على الرغم من أن نص المرسوم واضح، إلا أن عشرات آلاف الأبنية تم إنشاؤها دون مراعاة أي قوانين، ولم ينفع أكثر من 50 قانون عقاري، بعضها تم تعديله وتحديثه، والآخر لحقه مراسيم جديدة، في الحد من هذه المشكلة، وحتى المرسوم 40 الذي صدر لينهي أي لبس في التطبيق وجد المخالفون طريقة للتحايل عليه وعدم تطبيقه.
عدد من هذه المخالفات تتم حسب الآراء التي حصل عليها “هاشتاغ”، بعلم “المحافظين”؛ حيث لا يمكن لرئيس البلدية، حسب هذه الآراء المطلعة، أن يقف بنفسه في وجه تلك المخالفات. في حين، تحدثت آراء أخرى عن أن رؤساء البلديات – كما هو الحال في بعض مناطق ريف دمشق – هم “الآمرون الناهون” بها وبالتعاون مع تجار البناء في تلك المناطق.
بين ليلة وضحاها
خلال الأزمة، تم بناء عشرات آلاف المخالفات حسب تصريحات خاصة، ومعظم هذه المخالفات لا تحقق أدنى الشروط الفنية والسلامة الإنشائية وغالباً شيدت على أملاك الدولة.
وحسب قول مسؤول سابق في محافظة ريف دمشق رفض الكشف عن اسمه، في تصريح خاص لـ”هاشتاغ سوريا”، فإن الكثير من الأبنية المخالفة وجدت بين ليلة وضحاها، وهذه الأمور لها “أهل اختصاص” من عمال وتجار مواد، وآخرين مختصين بالمعاملات اللازمة والأوراق، التي يستدعي عرضها عند الضرورة، أي حين الشكوى، كاعتراض الجوار، برفع دعوى في المحكمة.
والأهم من هذا كله، كما يقول المسؤول، هو “السمسار” والذي يتدخل لدى كل الجهات، ويرتب الأمر حتى تعمير الطابق، أو الطوابق، وصولاً إلى أكثر من بناء.
“استثناءات” حين الطلب!
هذه الأبنية التي بنيت على عجل، وجد المتعاملون بها “مخرجاً” للهروب من المرسوم 40 وذلك عبر اختراع طريقة لمخالفته أول صدوره، كما يقول المسؤول السابق في محافظة ريف دمشق، وذلك عبر إجراء ضبوط مخالفات لم تحصل، ليقوموا فيما بعد ببنائها، ولتسجل قبل صدور المرسوم 40 متناسين أن سبب صدور هذا المرسوم هو محاولة معالجة وضع آلاف المساكن، التي تمت إشادتها في الفترة الواقعة بين صدور المرسوم رقم 1 لعام 2003 والقانون رقم 59 لعام 2008 والمرسوم الأخير رقم 40 لعام 2012.
واليوم، وبعد مرور ما يقارب 8 سنوات على صدور المرسوم 40، بات من الصعب إحصاء الأبنية المخالفة، تلك التي بنيت – حسب المسؤول السابق في محافظة ريف دمشق- بعلم الجهات المسؤولة عن تطبيق المرسوم 40؛ حيث لا يجرؤ رئيس بلدية على القيام بكل تلك المخالفات لوحده، دون وجود جهة عليا حامية له، وعلى وجه الخصوص، من قبل المحافظ. ويضيف: “الجهات المعنية بمراقبة أمور المخالفات وإزالتها، أو تسويتها، كثيرة، ولا يمكن التغطية عليها جميعاً، إلا في حال امتلاك أوراق نظامية”.
وما يجري في المخفي حسب قوله، أن “بعض المحافظين يسعون إلى إصدار قرارات تسمح للبلديات بإنشاء أبنية مخالفة، وعلى وجه الخصوص للتعهدات الكبيرة، ومن الممكن أن تكون معامل ومصانع، خاصةً في مناطق الأرياف، ويضيف المسؤول:” تلك الأبنية، في أغلبها، يوجد بها رخصة موضوعة في الدرج يتم عرضها فقط للجهات الأمنية، وبالتالي لا يمكن مخالفتها”.
“طبعاً، هذه الأبنية، يتم بناؤها والاتفاق على تشييدها، حسب نسب متفق عليها” كما يقول، ويورد مثالاً عن أن بعض الأبنية المخالفة يتم فيها قبض مبلغ 20 ألف ليرة على كل متر مخالف، تعود إلى “المحافظ” في حين لا يقبض منها رئيس البلدية سوى 2000 ليرة على كل متر، ويقوم بالتغطية المطلوبة.
“التشميع” أقوى مخالفة!
على الضفة الأخرى، ثمة رأي يخالف ما سبقه، ويؤكد أن رؤساء البلديات هم أصحاب القرار في المخالفات، والسبب في مخالفة المرسوم وبقية القوانين، التي تمنع وجود المخالفات.
هذه المخالفات، التي تحدث عنها المهندس عاطف مرعي، رئيس المكتب الفني في بلدية معربا، كانت بالعشرات خلال فترة الأزمة، ومعالجة البناء المخالف حالياً تعتمد على تشميعه، وفي حال تجاوز التشميع أو خرقه، يكون المخالف بذلك قد ارتكب “أقوى مخالفة” ويحال بموجبها إلى المحكمة العسكرية، ويسجن مدة 6 أشهر، إضافة إلى غرامة مالية كبيرة، وهذه الخطوة حسب قوله “أقوى من المرسوم”.
وأوضح مرعي أن:” المخالفات تقسم إلى نوعين، الأولى تتعلق بالتعهدات الكبيرة، وهذه تتم معالجتها ومخالفتها حسب رخصة البناء، أما بالنسبة إلى المخالفة الثانية، والتي تكون عبارة عن بناء غرفة أو اثنتين لعائلة بحاجة لسكن يؤويها، هنا تكمن المشكلة”.
وبحسب تأكيد مرعي، يقع المكلفون بمعالجة تلك المخالفات في حيرة بين وضع قانوني يستوجب الإزالة أو التشميع، وبين وضع اجتماعي في أكثر الأوقات لا يمكن السيطرة عليه، خاصةً في التجمعات العشوائية؛ حيث يجتمع ما يقارب 200 شخص من أجل منع الهدم.
ولكن على المقلب الآخر، ثمة رؤساء بلديات استغلوا هذا الوضع الاجتماعي لمنع تنفيذ أوامر الإزالة بحق المخالفات الكبيرة والتي بناها السماسرة بالاتفاق معهم، وربحوا من ورائها مئات الملايين، وذلك عبر تصوير الوضع وكأنه إنساني وعائلات سيتم تشريدها في حال تنفيذ أوامر الهدم، حتى أصبحت ورقة “ابتزاز” يلوحون بها في وجه أي حل.
معربا.. الحالة الأكثر فساداً؟
في معربا، بريف دمشق، يقال إن المخالفات التي شهدتها البلدة بدأت قبل صدور المرسوم 40 بسنوات، وتحديداً منذ تأسيس المبنى الجديد للبلدية عام 1999 واستمرت وازدهرت مع تعاقب رؤساء البلديات حتى بعد صدور المرسوم 40، وهذا ما يثبته الواقع على الأرض، حيث شيدت تجمعات ضخمة مخالفة وغالباً على أملاك الدولة، وجنى القائمون عليها مئات الملايين.
يقول أحد أهالي معربا إن “هناك أشخاص في مجلس بلدية معربا شاركوا في هذه المخالفات وعمليات السمسرة ويعرفهم الأهالي بالاسم ويصفونهم برؤوس الفساد”. ويضيف ” بعض رؤساء بلدية معربا كانت نواياهم وضع حد لهذه المخالفات، وبعضهم ازدهرت هذه التجارة الرابحة في عهده وبدعمه، حتى أن بعضهم دخل السجن”.
ومما يتداوله عدد من أهالي البلدة أيضاً أن محافظ الريف السابق المعفى من منصبه، علاء ابراهيم، غيّر 8 رؤساء بلديات بسبب المخالفات، ولكن على الأرض لا شيء يتغير ولا حتى أمر هدم واحد قد صدر خلال هذه السنوات الثمانية”.
محام من بلدة معربا قال لـ”هاشتاغ سوريا” إن المرسوم 40 شدد على إزالة المخالفات بعد تاريخ صدوره، وتغريم صاحبها والمشرف والمهندس والبلدية بغرامات مشددة وسجن، ولكن هذا المرسوم كان بالنسبة للبلديات وليس لبلدية معربا فقط “باب إتاوات” لجمع الأموال بطريقة غير مشروعة.
وإحدى القصص التي يرويها أحد القاطنين عن أن أحد أعضاء المكتب التنفيذي حضر مع الشرطة لإزالة بناء مخالف وابتز صاحبه بمليون ليرة عن كل طابق، لكن هذا لا يمكن اعتباره ظاهرة كما يضيف المحامي.
صاحب مكتب عقاري أشار إلى أن البناء الذي تصله الخدمات هو أعلى سعراً، حتى وصل الأمر برؤساء تعاقبوا على بلديتها بتعمّد التقصير في الأبنية النظامية لصالح مناطق المخالفات أملاً في رفع أسعارها وتحقيق مكاسب مضاعفة. وأمام الكاميرات يبررون هذا التقصير بارتفاع عدد السكان من 17 ألفاً إلى 150 ألفاً، “ما يشكل ضغطاً على الخدمات ويتطلب تخصيص مبلغ موازنة أكبر للبلدية” كما يقولون.
ويكشف “أحياناً حين تحصل خلافات على النسب والحصص بين الجهات المتورطة في عملية السمسرة يتم احضار الشرطة وهدم البناء” ويبدو أن هذه الممارسات ليست خاصة بمعربا بل بكل مناطق الريف التي تغزوها هذه المخالفات.
علماً أن آراء معظم من التقاهم “هاشتاغ سوريا” من أهالي معربا تجمع على أن المتعهدين بالتعاون مع عدد من رؤساء البلديات الذين تعاقبوا على البلدة، جمعوا ثروات بالمليارات من المخالفات التي شيدت في البلدة، على حساب أهالي البلدة وقاطنيها.
التل: تجاوزات بحجم “كارثة”
المخالفات في التل كان لها شكل وحكاية أخرى، ويمكن القول إنها الشكل الأكثر تجسيداً للفساد في الاستثناءات ومنح الموافقات، لدرجة يمكن وصفها بـ”الكارثة” لجهة التعدي على الممتلكات العامة وتدمير الوديان والحزام الأخضر الذي تمتاز به المنطقة.
فمعظم الأبنية المخالفة، كما يشير مصدر مطلع على ملف مخالفات الأبنية فيها، تم بناؤها في الحزام الأخضر والمناطق الزراعية وحرم الأنهار، وحسب معلومات مؤكدة، فإن 150 استثناء “موافقة على البناء” من أصل 222 طلب، تم تنفيذها في عهد وبموافقة المحافظ السابق خلال العامين الأخيرين فقط.
وما يدلل على حجم الكارثة، هو المبالغ التي وصل سعر الاستثناء فيها للموافقة على البناء في بعض المناطق والتي تراوحت كما يقول المصدر بين 15 إلى 40 ألف دولار.
وعلى سبيل المثال فإن الشكل الأكثر شيوعاً لطلبات الموافقة التي حصل “هاشتاغ سوريا” على بعض منها هو التقدم بطلب استثناء لمجلس البلدية للموافقة على بناء غرفة زراعية بمساحة 50 متراً على أرض مساحتها 500 متر “لأتمكن من زراعة أرضي” كما يأتي في نص الطلب، وبعد أن يحصل على الموافقة من المحافظة يأخذ ترخيص من البلدية ولكنه لا يلتزم ببناء غرفة 50 متراً بل يقوم بتشييد بناء من دورين كل دور بمساحة 120 متراً وتتم تغطية تجاوز مساحة البناء والأدوار الإضافية كالعادة بالاستثناء.
لكن، اللعبة الأكبر التي يقوم بها أصحاب المال والتجار بالتعاون مع جهات في البلدية والمحافظة، كما يؤكد المصدر، هو تجاوز البند القانوني الذي يسمح ببناء 120 متراً في منطقة زراعية مساحتها الإجمالية 4 آلاف متر (4 دونمات)، فيقوم السماسرة بشراء مساحة كبيرة من 100 دونم على سبيل المثال ويحصلوا على موافقات باستثناء بناء 500 متر وفي هذا الحال يكون سعر الدونم بسيط 50 أو 100 ألف ليصبح فجأة ما بين مليون و3 ملايين ليرة، ويتم تقطيع هذه المساحة وتشييد الأبنية المخالفة عليها وبيعها كقطع صغيرة وبكسوة فخمة وأسعار خيالية. وهذا ما أدى إلى فوارق طبقية وارتفاع جنوني ومخيف في سعر متر الأرض والبناء، وكلها وفق عمليات سمسرة ضخمة، والدفع بالدولار.
تشويه.. أسوة بالجوار!
حتى مناطق ما يسمى بـ”الكثافة السكانية الخفيفة” تم سحقها، ولم تسلم من التجاوزات لناحية الأدوار الإضافية ومساحات البناء المسوح بها، ففي حين أن نسبة البناء قانونياً فيها هي 60% من قيمة الأرض، تم منح بعض أصحابها استثناءات بالموافقة على البناء بنسبة 100% وهذا كله انتهى إلى تشويه المنطقة، والتعدي على الجوار، وغالباً تحت بند “أسوة بالجوار”.
أيضاً، وفي بعض مناطق الكثافة الخفيفة هذه، تبلغ نسبة البناء قانونياً على أرض مساحتها 1200 متر 8% فقط من مساحة الأرض، أي 100 متر ومن دورين فقط، وترك المساحة المتبقية 1100 متر منطقة خضار. لكن ما يحصل أن الموافقة “الاستثناء” تم منحها للبناء على مساحة 400 متر ولثلاثة أدوار وهو ما تسبب في تشويه المنطقة.
سماسرة حقيقيون
يكشف المصدر المطلع على ملف المخالفات عن أن دور رئيس البلدية غالباً هو التلاعب بالمعلومات المقدمة بالطلب للحصول على الموافقة وهذه المعلومات تتعلق بمساحة الأرض الإجمالية “يكتب مساحتها 500 متر بينما تكون مساحتها 200 متر”، ونوع الأرض ” في الواقع تكون حزام أخضر ممنوع البناء فيه، بينما يكتب باعتباه أرضاً زراعية وأنه “بحاجة لغرفة حراسة لأتمكن من زراعة أرضي” وهكذا يتم الحصول على الموافقة من المحافظة وتبدأ عمليات البناء.
طبعاً كتابة معلومات غير صحيحة ومغلوطة في الطلب لا يعفي المحافظ لأنه كما هو مفترض يوجد لجنة قانونية ولجنة فنية، وأي طلب يعرض قبل الموافقة عليه على اللجنة الفنية التي تطلب بدورها من الوحدة الإدارية الأوراق النظامية من إخراج قيد عقاري بمساحة الأرض وسند ملكية.
ولكن هذا لا يحدث، وإنما ما يحدث هو التلاعب وتزوير المعلومات، حيث اطلع “هاشتاغ سوريا” على طلب استثناء مزيّل بموافقة المحافظ السابق، على بناء غرفة زراعية على أرض لم يكن مقدم الطلب يملكها فيه بتاريخ تقديم الطلب، فتثبيت ملكيته للأرض بالطابو كانت بعد شهر ونصف من حصوله على الموافقة. أي أنه أمّن الاستثناء وأخذ الترخيص ومن ثم ثبت الملكية، في تجاوز صارخ للقانون الذي يستوجب إبراز سند ملكية الأرض حين التقدم للحصول على موافقة بناء، وكل ذلك بعلم مجلس البلدية.
صورة أخرى اطلع عليها “هاشتاغ سوريا” عن منح استثناء بالموافقة على “بناء غرفة حارس” في أرض ليست زراعية مساحتها فقط 280 متراً وواقعة على حرم نهر وممنوع البناء فيها تحت أي بند استثناءات، في منطقة باتت تسمى الصحراء بعد أن كانت تسمى الساحرة لشدة الخضار فيها. ورغم صدور قرار “مشمع للإزالة” بهدم البناء المخالف من محلات تجارية وفيلا أرضية بقيمة 600 مليون التي تم التشييد عليها فإن تنفيذ أمر الهدم لم يتعدَ، حسب الجوار، ضرب “بلوكتين” بالقبو.
بعد إقالة المحافظ!
عاد الحديث عن مخالفات الأبنية والمرسوم 40 بعد يومين فقط على إعفاء محافظ ريف دمشق السابق علاء ابراهيم الذي استمر في منصبه 4 سنوات، وبعد يوم واحد على الحجز على أمواله، حيث نشرت وسائل الإعلام خبراً بصيغة واحدة: “قامت لجنة الهدم المركزية في محافظة ريف دمشق بالمباشرة بهدم وإزالة مخالفات بناء متعددة في الصبورة، وأكد نائب المحافظ بأنه سيستمر العمل حتى إزالة المخالفات بشكل كامل، لافتاً إلى أن عملية الهدم تمت حسب أحكام المرسوم 40، ومؤزارة عناصر حفظ النظام ومديرية الناحية، وسيتم النشر تباعاً عن استكمال عمليات الهدم”.
ولاحقاً لتسلم المحافظ الجديد لمهامه، أصبح تطبيق المرسوم 40 وتنفيذ أوامر هدم وإزالة أبنية مخالفة هي المهمة رقم واحد، وهذا ما تداولته وسائل إعلام محلية وصفحات فيسبوكية.
أوامر الهدم “استعراض” إعلامي؟
أوامر وتعليمات محافظ ريف دمشق الجديد، حسب المتداول إعلامياً، كانت واضحة بقمع هذه المخالفات، ووضع حد للفساد فيها، ومحاسبة المقصرين حسب المرسوم 40، ولكن حتى الآن كما يقول عدد من الأهالي فإن عمليات الهدم التي تحصل على الأرض لم تحقق المطلوب منها.
ويقول أحد القاطنين في التل إن كل ما تم هدمه هو “سور خارجي لإحدى الفلل، أو جدار من غرفة، وهو ما تم توثيقه بفيديوهات قصيرة من قبل الأهالي ودون المساس بعمود واحد من المخالفات التي صدرت بحقها أوامر هدم، وأصحابها ليسوا فقراء أو بسطاء كما يشاع، بل سماسرة وتجار دفعوا 60 مليون ليرة بالحد الأدنى ثمناً للموافقة والاستثناء و150 مليون تكلفة بناء”.
في حين أن الواقع على الأرض يفرض متابعة حقيقية ومن أعلى المستويات لتنفيذ أوامر إزالة المخالفات، وبالدرجة الأولى المخالفات التي لا تقبل التسوية، سواء قبل صدور المرسوم 40 أو بعد صدوره، والتي شيدت بحرم الأنهار والحزام الأخضر، وصدرت فيها أوامر إزالة، كما هو الحال في منطقة التل، لأن الاستمرار بإغلاق مجاري الأنهار ينذر بكوارث سبق وحصلت حين وقع سيل وفاضت الأقبية وتسببت بوفاة طفلة. وكذلك ضرب المساحات الخضراء والحزام الأخضر من خلال تيبيس الشجر واستبداله ببناء مخالف وعشوائي ضرب المواسم الزراعية من زيتون وتين كانت تنتجه هذه المناطق الخضراء بكميات هائلة..
بناءً على ماسبق، ألا يستحق الفاعلون بعد كل هذا الفساد “الوقح” ونهب الملايين، وهدر المال العام، واستغلال المنصب لمكاسب شخصية، والتقليل من “هيبة” القانون، ومن ثم التعدي على جغرافية المناطق وتشويهها، أفلا يستحقون المحاسبة؟!