هاشتاغ _ لجين سليمان
دُعيت مع مجموعة من الطلبة الأجانب إلى إحدى القرى الصينية في الجبال البعيدة، هناك حيث تقع أراض زراعية شاسعة، وذلك لمشاركة الفلاحين في أيام خُصّصت للاحتفاء بجهودهم.
بدأت الجلسة الصباحية بمحاضرة موجّهة لمجموعة من المزارعين، للوهلة الأولى ظننت أنّ هذه المحاضرة تشبه إلى حد كبير المحاضرات التي تُقام في المراكز الثقافية في سوريا أو كالأمسيات الشعرية التي يُجبر الموظفون في نهاية الدوام على البقاء وحضورها ، فيحملون معهم كامل مللهم ويأسهم إلى القاعة ويجلسون مستسلمين يتأففون ، إلا أنّ الأمر هنا كان مختلفا تماما.
فقد اجتمع فلاحو القرية في قاعة كبيرة يُنصتون باهتمام لأحد المهندسين الزراعيين الذي قدّم عرضا على شاشة شرح فيه بدقة الشروط المناسبة لزراعة كل محصول، والعناية الواجب تقديمها، مع إرشادات حول درجة الحرارة الواجب توفرها أيضا والأسمدة المستخدمة ودرجة تركيزها، وهو ما ذكّرني أيضا بما يسمّى بوحدات الإرشاد الزراعي في بلادنا والتي لا تملك من الإرشاد إلا الاسم إذ لا حول ولا قوة.
تلا المحاضرة جلسة غداء مع جميع المزراعين الحاضرين ، قُدمت فيها على الطاولة أطباق من الأصناف الزراعية التي كنا قد رأيناها في البساتين، إلا أنها كانت مطبوخة هذه المرة وبمختلف النكهات.
بعدها تجوّلنا في الحقول حيث المحاصيل الزراعية المختلفة الأنواع: الأرز والفليفلة والكرز. تمتد المزروعات على مساحات شاسعة بشكل منظّم ومنسّق وكأنّه قد تم ترتيبها للتوّ كي تبدو منتظمة في صفوف متوازية. دخلنا مع الفلاحين وبدأنا مساعدتهم بزراعة بعض البذور، فقد كان الهدف الفعلي لهذه المشاركة هو تكريم حقيقي في محاولة لإظهار قيمة الفلاح ودوره في إعلاء شأن الصين، وبالفعل كان التكريم قائما على مشاركة فعلية من قبل جميع الحاضرين في الأعمال الزراعية مدة يوم كامل، بعيدا عن قص الشريطة والتصفيق والابتسامات المزيّفة.
جاءت بعدها الأسئلة التي تخيفني والتي أهرب منها دائما، “ماذا عن الزراعة في بلدك، ما هي أكثر المحاصيل شهرة، ما هي التقنيات التي تستخدمونها في الزراعة” أجبت بشكل مقتضب وبابتسامة مصطنعة “الزراعة في بلدنا ممتازة وقد كانت قبل الحرب أفضل والآن نسعى لتقديم أصناف أكثر تميزا” وددت لو أقول ما يدور في خاطري مثلا أن الفلاح السوري يبكي حمضياته سنويا ويطبخ بعدها أحمض ما لديه لأنّ وجعه غير مرئي بالنسبة للمعنيين بالأمر، أو مثلا أنّه ومنذ سنوات تدور مطالبات متعددة لوضع خطة زراعية..ولكن ومع الأسف كانوا ينتظرون مني إجابة موسعة,,فاستدركت قائلة: “في بلادنا تزرع أزهار لديها عطر لم أشمّه يوما في حقول أو أراض زراعية خارج بلدي. كثيرا ما تستوققني روائح الأزهار في أراضيكم، أقترب منها محاولة شمّها فلا أجد فيها ما يشبه روائح ما ينبت في أرضنا على الرغم من جماليتها”.
قادني حديثي الإنشائي إلى التفكير بـ “ياسمين الشام” فهل كان بدعة لطالما تحدثنا عنها وذلك لنقنع أنفسنا بأننا نملك الجميل من الوطن؟ أم أن الياسمين موجود فعلا؟ وفي حال كان موجودا أيّهما أكثر جدوى محاصيل زراعية تُزرع لتبني اقتصادا أم أزهارا بروائح عطرة نتغنّى بها كلما ضاق بنا الوطن.
صحيح أني كلما شممت رائحة عطرة في شوارع الصين أبحث في ذاكرتي عما يقاربها من الروائح التي اعتدنا عليها في سوريا، وذلك ربما لتعلقي الفطري بهذه الأرض، إلا أننا وعلى ما يبدو توهمنا كثيرا بياسمين الشام، ذلك النوع من الورود الذي استخدمناه للصبر نحن السوريون، صبر نفذ بعد أن اكتشفنا خدعة الروائح، في الوقت الذي نحتاج فيه زراعات تحمي من الجوع.