كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، عن قيام وحدة سرية للغاية بالجيش الأمريكي بضرب سد الفرات فى سورية على الرغم من وجوده على قائمة الأماكن الممنوعة من الضرب، لما يمكن أن يتسبب فيه من فيضان يهدد حياة آلاف السكان.
وقالت الصحيفة، إنه خلال ذروة الحرب على “داعش” فى سورية، استهدفت سلسلة من التفجيرات أكبر سد فى البلاد والواقع على نهر الفرات، والذي يحتفظ بخزان طوله 25 ميل فوق وادي حيث يعيش فيها الآلاف من الناس.
وكان سد الفرات في الطبقة ركيزة استراتيجية وسيطر عليه تنظيم “داعش”. وتسببت الانفجارات التى وقعت في 26 آذار/مارس عام 2017 فى إسقاط العمال على الأرض، وأصبح كل شىء مظلما. ويقول شهود عيان “إن قنبلة واحدة دمرت خمس طوابق من البناء الذي يبلغ طوله 18 طابقا. وانتشر الحريق وتعطلت المعدات الأساسية، وارتفع التدفق القوي لمياه نهر الفرات فجأة، وبدأت السلطات المحلية في استخدام مكبرات الصوت لتحذير الناس للفرار”.
وألقت وروسيا والحكومة السورية باللوم على الولايات المتحدة في هذا الوقت. لكن السد كان مدرجا على قائمة عدم الضرب للجيش الأمريكي في المواقع التي يوجد بها مدنيون، وقال الجنرال ستيفين تونسيند، قائد الهجوم الأمريكي حينها “إن مزاعم التورط الأمريكي مستندة على تقارير مجنونة. وأعلن بشكل قاطع بعد يومين من التفجيرات أن سد الطبقة ليس هدفا للتحالف.
لكن في الواقع، وبحسب ما كشفت الصحيفة، قام أفراد من وحدة العمليات الخاصة الأمريكية السرية للغاية، والمسماة Task Force 9 بضرب السد باستخدام بعض من أكبر القنابل التقليدية في ترسانة الولايات المتحدة، بما في ذلك قنبلة خارقة للتحصينات BLU- 109 مصممة لتدمير الهياكل الخرسانية السميكة، وفقا لاثنين من كبار المسئولين السابقين. وحدث ذلك بالرغم من تقرير عسكري حذر من قصف السد لأن الأضرار قد تتسبب في فيضان قد يقتل عشرات الآلاف من المدنيين.
وتشير “نيويورك تايمز” إلى أنه مع بداية الحرب رأت الولايات المتحدة أن السيطرة على السد الذي بني في عهد الإتحاد السوفييتي ويبعد 30 ميلا عن “عاصمة الخلافة”، الرقة، كمفتاح للسيطرة على المدينة. وسيطرت فصائل مسلحة عليه عام 2013 ولكن تنظيم “داعش” ضمه إلى مناطقه التي توسع فيها عام 2014.
واحتفظ التنظيم بقوة صغيرة حيث منحت أبراجه وجدرانه الإسمنتية السميكة حماية. ولكنه ظل نقطة مهمة لتوفير الخدمات المدنية، حيث ظل العمال يوفرون الطاقة الكهربائية وتنظيم عمليات الري التي امتدت على المزارع. وفي عام 2017 وعندما شن التحالف حملته للسيطرة على مناطق التنظيم كان يرى أهمية بالسيطرة عليه لمنع المقاتلين من إغراق السكان الذين يعيشون في تيار المصب. وكانت قوة المهام الخاصة-19 تعمل على الأرض وصممت عدة خطط للسيطرة عليه قبل الضربة، حسب مسؤولين.
وتضيف: طلبت القوة تقريرا متخصصا من وحدة المهندسين الخاصة في مكتب المصادر والبنى التحتية التابع للإستخبارات العسكرية الأمريكية، وطلبت النصح وتقييم حجم القنابل التي يمكن استخدامها. وكان رد الوكالة العسكرية سريعا: السد ليس هدفا للضرب.
وفي تقرير من أربع صفحات، قال المهندسون “إنه يمكن استخدام صواريخ هيلفاير التي تزن 20 رطلا لضرب الجوانب الشرقية من السد لكن هناك مخاطر في حال استخدام قنابل أو صواريخ مهما كان حجمها ضد البنى الإسمنتية التي تتحكم بتدفق المياه”.
وقال المسؤولون السابقون “إن التقرير حذر من أية ضربة قد تؤدي لتعطل السد وتتسبب بمقتل ألاف الناس”. وتوافق التقرير مع تقرير آخر للأمم المتحدة في كانون الثاني/يناير 2017 والذي حذر من ضرب السد لأنه قد يؤدي لتعطله وغرق المجتمعات التي تبعد عنه 100 ميل. وكان التقرير قد أعد قبل أسابيع من الغارة ووصل إلى القوة الأمريكية الخاصة. إلا أن فريقا منها قرر في الأسبوع الأخير من آذار 2017 توجيه ضربة للسد وباستخدام أضخم القنابل المتوفرة. ولا يعرف السبب الذي دعا للضرب، ففي ذلك الوقت كانت القوات الأمريكية و”قسد” تسيطران على الجانب الشمالي من السد وقوات “داعش” تسيطر على الطرف الجنوبي.
واوضح الكابتن بيل إربان، المتحدث باسم القيادة أن قوات التحالف حاولت السيطرة عليه، ولكنها تعرضت لنيران كثيفة بشكل أدى لتكبدها خسائر فادحة ولهذا قررت ضربه، لكن عمال السد لم يشاهدوا أو يسمعوا عن ضحايا قبل يوم من الغارة. وما هو واضح أن قوة المهام الخاصة-19 طلبت الغارة دفاعا عن النفس بشكل حللها من العودة إلى المستويات العليا. وبحسب تقرير تم الحصول عليه بناء على قانون حرية المعلومات كشف عن طلب المشغلين مقاتلة بي-52 التي حقلت عاليا فوق السد وطلبوا ضربات على ثلاث مواقع. ولكن التقرير لا يتحدث عن تعرض القوات لنيران القوات العدوة أو أنها تكبدت خسائر. ويقول التقرير إن الطلب جاء “لحرمان العدو من الأرض”.
ويقول مسؤولان سابقان “إن مسألة الحرمان تشير إلى أن قوات التحالف لم تكن في خطر الهزيمة من مقاتلي العدو، وكان هدف قوة المهام الخاصة هو عملية وقائية وحرمان المقاتلين من الأبراج”. وقالا “إن شن هجوم تحت ذريعة حماية النفس كان مثيرا للدهشة نظرا لاختلاف الإجراءات. فبعد أسابيع قررت الولايات المتحدة إغلاق نظام قنوات قرب الرقة، واقتضى الأمر عملية موافقة مستفيضة من مجلس الأهداف. وهذا ما لم يحدث مع السد”.
ونفى مسؤول في وزارة الدفاع أن تكون القوة قد تجاوزت التعليمات، مشيرا أن الهجوم تم من خلال الإطار المحدد لمواجهة تنظيم “داعش” ولم تكن هناك حاجة لطلب موافقة القيادة. وفي البداية طلب من بي-52 إطلاق قنابل تنفجر في الجو، وعندما فشلت في إخراج مقاتلي التنظيم طلب منها إسقاط 3 قنابل زنة كل واحدة منها 2.000 رطلا وواحدة منها قادرة على اختراق التحصينات حالة لمسها الإسمنت. وقامت قوات المهام الخاصة بقصف شديد على الأبراج. لكن مقاتلي التنظيم هربوا لاحقا وخربوا توربينات السد التي لم تكن عاملة أثناء انسحابهم.
ووصف مهندس كهربائي آثار القصف وما تبع من مكالمات بين مسؤولين روس والقيادة المركزية الأمريكية في قطر وتحذيراتهم بأن الوقت قصير لمنع كارثة انهيار السد. وبعد أقل من 24 ساعة على الضربة تم الإتفاق على وقف العمليات العدوانية، ثم تحرك فريق من 16 عاملا، بعضهم من التحالف والحكومة السورية. وعملوا بجهد كبير مع ارتفاع منسوب المياه.
وكانت “قوات سوريا الديمقراطية” نفت تعرض السد لهجوم وقالت “إنه دعاية”. وقالت المتحدثة باسمه “إن التحالف ضرب السد بأسلحة خفيفة بحيث لا تسبب الضرر له”. ونفى القائد العسكري تاونسند تعرض السد للهجوم. ولم يتم اتخاذ إجراءات ضبط ضد قوة المهام الخاصة التي استمرت بطلب الغارات بناء على نفس المبرر؛ وهو الحالة الطارئة والدفاع عن النفس.