السبت, مارس 1, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةسقوط نظام الأسد: تحولات القوة الإقليمية والدولية

سقوط نظام الأسد: تحولات القوة الإقليمية والدولية

هاشتاغ: ترجمة

بيّن المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في دراسة نشرها بالأمس أن الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد من قبل هيئة تحرير الشام جاء بفضل التحولات في ديناميات القوة الإقليمية والدولية، ونتيجة تضافر عدة عوامل رئيسية تمثلت بالدعم التركي للمتمردين، وإضعاف إيران وحزب الله بسبب الضربات العسكرية الإسرائيلية، وتغيير أولويات روسيا في سياق حربها ضد أوكرانيا.

وبحسب الدراسة فإن سقوط نظام الأسد أدى في نفس الوقت إلى تحوّل آخر في علاقات القوة في المنطقة، وأنّ مصالح وأولويات وأفعال الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية سوف تحدد مجال المناورة للحكام الجدد في دمشق. فتركيا وإسرائيل تحتلان أراضٍ سورية في شمال وجنوب غرب البلاد على التوالي. ومن المتوقع أن تمارس ممالك الخليج نفوذها أيضاً، باعتبار أنها ستلعب دوراً حاسماً في إعادة إعمار سوريا فيما لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري في البلاد، على الرغم من أن مشاركتها المستقبلية غير مؤكدة.

التحول في الديناميات جاء بحسب الدراسة عندما أنشأت روسيا ما يسمى “بصيغة أستانا” عام 2017 أي بعد عامين تقريباً من تدخلها العسكري في سوريا، حيث تعاونت مع تركيا وإيران لتجميد الصراعات في سوريا، والحد من العنف ورسم مناطق النفوذ.

ونتيجة لذلك، تحول توازن القوى في المنطقة في ذلك الوقت، كما تغيرت أولويات الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في البلاد، والملاحظ أن داعمي المعارضة السورية توقفوا عن التركيز على إسقاط النظام وأعطوا الأولوية لمصالحهم الوطنية والاقتصادية والأمنية.

فالولايات المتحدة ركزّت على محاربة ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وسعت تركيا إلى منع إنشاء منطقة متجاورة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد على طول حدودها الجنوبية، فيما عملت إسرائيل على قصف مواقع وقوافل الميليشيات الإيرانية والمتحالفة معها لمنع إنشاء قواعد معادية في المنطقة الحدودية، وبناء مصانع الأسلحة ونقل الأسلحة إلى حزب الله.

في ظل هذه المعادلات أُعيد قبول سوريا في جامعة الدول العربية في مايو/أيار 2023، بعد تعليق عضويتها فيها عام 2011. وكان هذا التطور بفضل الإمارات العربية المتحدة وجيران سوريا العرب في المقام الأول، وقد حدث ذلك على خلفية التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران.

دور اللاعبين الخارجيين في الإطاحة بالنظام

في أعقاب هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 التي نفذتها حماس ضد إسرائيل، تغيّر ميزان القوة الإقليمي مرة أخرى، وبحلول تشرين الأول/أكتوبر 2024، كان “محور المقاومة” الذي تقوده طهران قد ضعف بشدة بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية. وكان هذا واضحاً قبل كل شيء، بالنسبة لإيران نفسها وكذلك بالنسبة لحزب الله اللبناني، الذي كان، إلى جانب روسيا، الداعم الرئيسي لنظام الأسد. ومن جانبه، ركز الجيش الروسي على الحرب في أوكرانيا.

هذه الأولويات المتغيرة والحسابات الإستراتيجية للقوى الفاعلة الإقليمية والدولية الرئيسية في سوريا، مهّدت الطريق أمام المتمردين للاستيلاء على السلطة في كانون الأول/ديسمبر 2024.

تركيا

وفقاً للحكومة التركية، كان سقوط بشار الأسد بسبب عجزه وعدم رغبته في استغلال حالة الصراع المجمد التي سادت سوريا منذ اتفاقيات أستانا عام 2017 لتحقيق الاستقرار وإعادة بناء بلاده. ونفت أنقرة التورط التركي المباشر في الهجوم الذي شنته هيئة تحرير الشام واعتبرته بأنه عملية خطط لها ونفذها السوريون.

لكن وسائل الإعلام الموالية للحكومة أشارت إلى أن الأجهزة العسكرية والاستخباراتية التركية دعمت الهجوم من خلال تعزيز وجود الجيش التركي في سورية قبل شهرين فقط من سقوط الأسد، كما تتمتع هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري بعلاقات وثيقة بشكل خاص مع تركيا.

وتوضح الدراسة أنه بالرغم من أن تركيا ركزت قبل الإطاحة بالأسد، على منع إقامة الحكم الذاتي الكردي تحت قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه كمنظمة إرهابية، إلاّ أن الجيش الوطني السوري، الذي يعتمد بالكامل على أنقرة عسكرياً ومالياً ولوجستياً، يعمل في الأراضي السورية الشمالية التي احتلتها تركيا واحدة تلو الأخرى بين عامي 2016 و2019، ومنذ ذلك الحين تم دمجها إلى حد كبير في الاقتصاد والإدارة التركية.

كما أن علاقة أنقرة بهيئة تحرير الشام هي علاقة رعاية. وبينما تصنّف تركيا هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية، فقد تولت دور القوة الحامية لها في إدلب بموجب شروط اتفاقية سوتشي لعام 2018 مع روسيا، ومنع التدخل العسكري التركي في عام 2020 نظام الأسد من استعادة إدلب وعزز علاقة أنقرة بالهيئة.

وتؤكد الدراسة أنه لم يكن هجوم المتمردين عام 2024 ممكناً لولا الضوء الأخضر من تركيا.

الملكيات العربية في الخليج

من بين دول الخليج العربي، كانت قطر هي التي ساهمت بالإطاحة بنظام الأسد باعتبارها الشريك الأصغر لتركيا. خصوصاً أنها تولّت إلى جانب أنقرة دعم الإسلاميين والسلفيين والجهاديين في الشمال السوري بعد الخلافات التي برزت مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بين عامي 2015 و2017 حول دعم هذه الجماعات التي رفضت الرياض وأبو ظبي دعمها.

وترى الدراسة أن قطر كانت لفترة طويلة، داعمة لحركة أحرار الشام السلفية المتمردة وجبهة النصرة الجهادية، التي نشأت من تنظيم القاعدة. وقد ساعدها انفصال زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني عن تنظيم القاعدة في عام 2016 في تعزيز دعمها لهيئة تحرير الشام، التي أسسها الجولاني وأتباعه في عام 2017.

ومن المرجح بحسب الدراسة أن قطر لم تلعب أي دور عسكري، لكنها كانت الممول لـ”حكومة الإنقاذ” التي أنشأتها هيئة تحرير الشام في محافظة إدلب في تشرين الثاني/نوفمبر 2017. بالإضافة إلى ذلك، انحازت شبكة الجزيرة التلفزيونية القطرية المؤثرة بشكل لا لبس فيه إلى هيئة تحرير الشام.

إيران

منذ بداية الانتفاضة السورية في عام 2011، لعبت إيران دوراً رئيسياً في ضمان بقاء نظام الأسد، وعملت خلال عقد من الزمان على بناء بنية تحتية عسكرية واسعة النطاق في سوريا، بما في ذلك قواعد في مواقع إستراتيجية ومستودعات أسلحة ومصانع تزود حزب الله في لبنان، بالإضافة إلى شبكة من الميليشيات المحلية والأجنبية.

في الوقت نفسه، شاركت إيران في صيغة أستانا، إلى جانب روسيا وتركيا.

وعلى الرغم من هذه المشاركة المكثفة، لم تتمكن إيران من منع انهيار النظام السوري في نهاية عام 2024. ومن بين الأسباب الرئيسية هو أنها كانت تعمل تدريجياً على تقليل وجودها العسكري بسبب رغبة الأسد في المصالحة مع الدول العربية التي كانت تطالب بتقليص النفوذ الإيراني من جهة وبسبب الغارات الإسرائيلية المكثفة على المنشآت الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها في سوريا من جهة ثانية.

وبحلول أواخر عام 2024، لم يكن لدى إيران سوى قوة طوارئ لحماية قواعدها ومصالحها في سوريا. ولهذا السبب لم تكن مستعدة للتعامل مع التقدم السريع للمتمردين، إلى جانب افتقار الجيش السوري إلى الجاهزية القتالية بحسب تصريحات القادة الإيرانيين.

والأهم من ذلك، بحسب الدراسة، فإن “محور المقاومة” الذي تقوده طهران كان يتفكك بعد عام من المواجهات العسكرية المكثفة مع إسرائيل. ولم يُبدِ حزب الله اللبناني، الذي أضعفته حرب مدمرة مع إسرائيل، ولا الميليشيات العراقية، التي كانت حذرة من الضربات الانتقامية الأميركية والإسرائيلية المحتملة، استعدادها للتدخل في سوريا.

وفي الوقت نفسه، كانت قدرة طهران على الرد مقيدة أيضاً بمخاوف التصعيد المباشر مع إسرائيل. فقد أدت عملية عسكرية إسرائيلية غير مسبوقة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024 إلى إضعاف الدفاعات الجوية الإيرانية بشدة وأثارت مخاوف بشأن هجوم لاحق محتمل. وردت طهران بإعطاء الأولوية لأمنها القومي على النفوذ الإقليمي وتركت الأسد لمصيره.

روسيا

وبالمثل، لم تتمكن روسيا، التي تدخلت في سوريا منذ سبتمبر/أيلول 2015 لضمان بقاء الأسد في السلطة، من منع الإطاحة به نهاية عام 2024. وكان هذا بسبب تقليص الوجود العسكري لموسكو في سوريا بسبب الحرب في أوكرانيا وأولوياتها السياسية المتغيرة.

وتشير التقديرات إلى أن الوجود العسكري الروسي الذي كان محدوداً دائماً، بلغ في عام 2024، حوالي 7500 فرد وتضمن بشكل أساسي وحدات من القوات الجوية والقوات الخاصة والشرطة العسكرية. وقد انخفض عدد القوات البرية، الذي كان منخفضاً منذ البداية، بشكل أكبر بعد إعادة نشر مقاتلي “فاغنر” في أوكرانيا بدءاً من عام 2022 وتفكيك مجموعة المرتزقة في عام 2023.

وعلاوة على ذلك، كانت روسيا تعطي الأولوية لحربها ضد أوكرانيا، مما منعها من تعزيز قواتها البرية في سوريا وتركها تعتمد على الميليشيات الموالية لإيران والجيش السوري. ومع ذلك، بلغ التدخل الروسي أقصاه عندما واجهت هجوم المتمردين عام 2024، لكن قوات الأسد لم تقدم مقاومة تذكر و/أو انهارت بسرعة، بما في ذلك الفيلق الخامس للجيش السوري، الذي تلقى دعماً مالياً وعسكرياً قوياً من موسكو.

من تلك النقطة فصاعداً، ركّزت روسيا على السيطرة على الأضرار. توقفت غاراتها الجوية على مواقع المتمردين في 8 كانون الأول/ديسمبر. وتم إقناع الأسد وعائلته بالذهاب إلى المنفى في موسكو – في خطوة كان الكرملين يأمل أن تحافظ على صورته كحامي موثوق به لحلفائه. في الوقت نفسه، كان بوتين عازماً على إزالة الأسد باعتباره عاملاً مزعزعاً، لأن استمرار حكمه سيؤدي إلى تعقيد جهود روسيا لإعادة تشكيل سياستها تجاه سوريا في ظل الحقائق الجيوسياسية الجديدة.

التداعيات الإقليمية والدولية لسقوط الأسد

وترى الدراسة أنّ انهيار نظام الأسد أدى إلى المزيد من التحولات في توازن القوى في المنطقة وخارجها. وفي حين تم إضعاف كل روسيا وإيران مع حلفائهما، تصاعد نفوذ تركيا وقطر باعتبارهما شريكان مقربان لحكام سوريا الجدد. كما تمكنت إسرائيل أيضاً من تحسين وضعها الاستراتيجي في المنطقة.

روسيا

تسبب سقوط الأسد في أكثر من مجرد إلحاق الضرر بسمعة روسيا؛ فقد قوض أيضاً أحد أهم الركائز – إن لم يكن الركيزة الأكثر أهمية – للسياسة الروسية تجاه الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي.

فبعد انسحابها إلى حد كبير من المنطقة في أعقاب الحرب الباردة، تراجع نفوذ موسكو بشكل أكبر خلال حرب العراق عام 2003 و”الربيع العربي”. لكنها و في أعقاب تدخلها العسكري في سوريا عام 2015، أعادت تأسيس نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة وبالتالي استعادة الاعتراف العالمي كقوة عظمى.

وبحسب الدراسة تتمثل الأولوية القصوى والفورية لروسيا الآن في الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا، وخاصة قاعدة طرطوس البحرية ومطار حميميم العسكري، وكلاهما ضروري ليس فقط للعمليات في سوريا ولكن أيضاً للموقف العسكري الروسي في المنطقة الأوسع. تظل طرطوس القاعدة البحرية الدائمة الوحيدة لروسيا في البحر الأبيض المتوسط ​​وتوفر الوصول إلى البحر الأحمر. وبسبب القيود المفروضة على مرور السفن الحربية الروسية عبر مضيق البوسفور منذ الحرب في أوكرانيا، لعبت مرافق الإصلاح والإمداد في طرطوس دوراً أكثر أهمية.

وكذلك عملت قاعدة حميميم الجوية كمركز لوجستي للعمليات العسكرية والمرتزقة الروس في ليبيا والعديد من البلدان الأفريقية الأخرى. وقد نقلت موسكو بالفعل جزءاً من معداتها العسكرية من سوريا إلى مطارات في شرق ليبيا، والتي تخضع لسيطرة الجنرال خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي. ولكن حتى لو نجحت روسيا في إبرام صفقة مع قيادة السودان لإنشاء قاعدة بحرية في البحر الأحمر، كما ورد في منتصف يناير/كانون الثاني 2025، و/أو ربما تتمكن من تأمين حقوق استخدام إضافية للموانئ والمطارات في ليبيا أو الجزائر، فإن حقوق الاستخدام وقدرات البنية التحتية لتلك المرافق ستكون أكثر محدودية من تلك الموجودة في سوريا.

وعلى هذا الأساس، تسعى موسكو إلى التوصل إلى اتفاق مع القيادة السورية الجديدة بشأن استمرار تشغيل قاعدتيها العسكريتين. وقد تم تأجير هاتين القاعدتين لروسيا لمدة 49 عاماً بموجب عقد تم توقيعه مع النظام السابق في عام 2017.

وفي حين أقر حكام سوريا الجدد عموماً بأهمية روسيا العالمية، فقد ألغوا اتفاقية تأجير مع شركة سترويترانسغاز الروسية للقسم المدني من ميناء طرطوس في يناير/كانون الثاني. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان إغلاق القاعدة العسكرية الروسية سيتبع ذلك أم أن إلغاء عقد الإيجار هو مجرد مقدمة لمزيد من المفاوضات التي قد يُسمح فيها لموسكو بوجود عسكري مخفض في مقابل تنازلات في مجالات سياسية أخرى.

إن حقيقة ضعف الوجود الروسي في سوريا عسكرياً وسياسياً، سوف يؤثر على علاقاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى. على سبيل المثال، بما أن موسكو لم تعد تسيطر على المجال الجوي السوري، فإنها تفقد أهميتها بالنسبة لإسرائيل.

فمنذ عام 2015، اعتمدت إسرائيل على تجنب الصراع العسكري مع روسيا لتنفيذ ضربات على المواقع الإيرانية والميليشيات المدعومة من إيران في سوريا. أمّا وقد توقف هذا التنسيق الآن، فسيصبح من الأسهل على إسرائيل تعديل سياستها تجاه أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يتعمق التعاون المتزايد بين روسيا وإيران – وخاصة في المجال العسكري. ففي يناير/كانون الثاني 2025، وقعت طهران وموسكو اتفاقية شراكة استراتيجية.

أيضاً، فإن سقوط الأسد من شأنه أن يحرّك إعادة معايرة العلاقات الروسية التركية إلى وضع غير موات لموسكو. فقد تضاءل نفوذ روسيا ليس فقط في سوريا، بل اكتسبت تركيا أيضاً نفوذاً في الجوار المباشر لروسيا وادعت منطقة ذات أهمية في جنوب القوقاز، حيث زادت أنقرة نفوذها في السنوات الأخيرة. ومن المرجح أن تسعى موسكو إلى إيجاد أرضية مشتركة مع تركيا في قطاع الطاقة والجهود الرامية إلى احتواء السياسات الغربية وكسب دعم أنقرة لإدراج روسيا في أطر حل الصراعات الإقليمية، على غرار صيغة أستانا.

إيران

بيّنت الدراسة أن سقوط نظام الأسد شكّل انتكاسة كبيرة لنفوذ إيران الإقليمي وطموحاتها الإستراتيجية؛ وخصوصاً “محور المقاومة” الذي تقوده طهران. فمن الناحية الجغرافية، كانت سوريا مكوناً مركزياً لـ “ممر بري” يربط إيران بحزب الله في لبنان وساحل البحر الأبيض المتوسط ​​عبر العراق. كان هذا الممر حاسماً في تسهيل نقل الأسلحة والدعم اللوجستي لحزب الله، الذي ضعفت قدراته العسكرية بشدة بسبب الحرب الأخيرة مع إسرائيل.

وبالتالي فإن انهيار هذا الطريق البري سيجعل من الصعب على إيران إعادة تسليح حزب الله والحفاظ على شبكتها الإقليمية الأوسع من الميليشيات المتحالفة.

في هذا السياق، لعبت سوريا أيضاً تحت سيطرة الأسد، دوراً رئيسياً في طموحات إيران الجيواقتصادية. فطهران كانت تهدف إلى وضع نفسها كلاعب رئيسي في “مبادرة الحزام والطريق” الصينية والاستفادة من سوريا كجزء من طريق بري يربط الصين بالبحر الأبيض المتوسط. وبالتالي فإن خسارة سوريا كشريك وثيق من شأنه أن يقوض هذه الرؤية.

فضلاً عن ذلك فإن النفوذ التركي المتزايد يهدد النفوذ الجيوسياسي الإيراني ليس فقط في بلاد الشام بل وأيضاً في العراق وجنوب القوقاز. ومن الأمور التي تثير قلق طهران بشكل خاص مساعي أنقرة لبناء ما يسمى “ممر زانجيزور”، وهو طريق عبور يربط تركيا بأذربيجان عبر الأراضي الأرمينية. وإذا ما تم بناء هذا الممر فإنه سيقطع تواصل إيران البري المباشر مع أرمينيا؛ ونتيجة لهذا فإن إيران سوف تصبح معزولة اقتصادياً وسوف يضعف دورها في التجارة وطرق العبور في المنطقة.

ليس هذا فحسب، بل تشعر إيران بالقلق إزاء الوجود الإسرائيلي المتزايد في سوريا ــ ليس فقط احتلالها لمزيد من الأراضي السورية، بل وأيضاً اتصالاتها مع الجماعات الكردية السورية، وهو ما قد يؤدي إلى تعزيز التعاون. حيث تخشى الدوائر السياسية الإيرانية من أن يتم إنشاء “ممر داوود”، الذي يوفر لإسرائيل القدرة على الوصول إلى نهر الفرات ويسمح لها بتوسيع نفوذها. وفي مثل هذه الحالة، سوف يزداد تهميش طهران.

تركيا

مع سقوط نظام الأسد، تعتقد أنقرة أنها أصبحت تتمتع بمساحة أكبر بكثير للمناورة في سوريا. فمنذ عام 2020 فصاعداً، كانت تركيا في حالة استعصاء دبلوماسي وعسكري؛ وخاصة فيما يتعلق بجهودها لمنع الحكم الذاتي الكردي في شمال شرق سوريا وتسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

ولتحقيق هذه الغايات، اتبعت أنقرة بحسب الدراسة إستراتيجيتين: تطبيع العلاقات مع الأسد وشن عملية عسكرية في شمال سوريا تهدف إلى دفع قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد إلى الخروج من المدن الرئيسية مثل تل رفعت ومنبج، ولكن فشلت كلتا الإستراتيجيتين. فلم يتم التوصل إلى أي تسوية مع الأسد ولم تتمكن أنقرة من شن هجوم عسكري واسع النطاق في شمال سوريا دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة وروسيا. بالمقابل تمكنت الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد في شمال وشرق سوريا من تعزيز هياكل الحكم الخاصة بها بشكل أكبر.

وبناء عليه، فإن سقوط الأسد يمثّل بالنسبة إلى تركيا لحظة “إمّا الآن أو أبداً” لمنع سيناريو الحكم الذاتي الكردي الذي يهيمن عليه حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب، لذلك عمدت أنقرة خلال هجوم المتمردين في نوفمبر وديسمبر 2024، على دعم ميليشيات الجيش الوطني السوري للسيطرة على تل رفعت ومنبج؛ ودعمت لاحقاً هجوم الجيش الوطني السوري بضربات جوية بهدف إعادة رسم خطوط المواجهة في شمال سوريا.

واليوم، تنظر تركيا إلى عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كفرصة لتخلي واشنطن عن دعمها لقوات سوريا الديمقراطية، لأنها تعتقد أن نجاحها في تحقيق أهدافها سوف يعتمد إلى حد كبير على القرارات السياسية لإدارة ترامب الثانية.

إلى جانب ذلك، تعتقد تركيا أنه مع وجود هيئة تحرير الشام على رأس السلطة في سوريا، فإن الحكومة المؤقتة في دمشق الآن مليئة بالجهات الفاعلة المتعاونة التي تحافظ القيادة التركية على علاقات شخصية وثيقة معها. وهذا يعني أن أنقرة يجب أن تكون قادرة على ممارسة نفوذ كبير على مسار سوريا المستقبلي.

كما ترغب أنقرة في ظل إعادة تقييم أولويات سياستها الخارجية بالتقارب مع الدول العربية من خلال الجهود المشتركة لإعادة استقرار سوريا، وتأمل التعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر والأردن والعراق، وفقاً لوزير الخارجية هاكان فيدان.

الملكيات العربية في الخليج

أدى سقوط نظام الأسد إلى تغيير كبير في توازن القوى بين دول الخليج العربية. كان دعم قطر للجماعات الجهادية، مثل جبهة النصرة السورية، أحد الأسباب التي دفعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر إلى فرض حصار بري وبحري وجوي على قطر عام 2017.

وعلى الرغم من حل الأزمة في كانون الثاني/يناير 2021، لم تتغير سياسات الدوحة، مما يعني أن التوترات بين الملكيات العربية الخليجية قد تشتعل من جديد في أي وقت.

ويعتبر سقوط الأسد واستيلاء هيئة تحرير الشام على السلطة من النجاحات الكبرى للسياسة القطرية. فمنذ “الربيع العربي” في عام 2011، راهنت الدوحة على الإسلاميين من مختلف التوجهات باعتبارهم قوى المستقبل، وباعتبار التحالف معهم من شأنه أن يزيد من نفوذها الإقليمي.

وعلى النقيض من ذلك، وضعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة نفسيهما في موقع زعيمي الثورة المضادة، ودعمتا استعادة الحكم الاستبدادي في مصر وتونس. وكانت الإمارات العربية المتحدة متشددة بشكل خاص: حتى أنها دعمت الأسد منذ عام 2015 فصاعداً لمنع المزيد من المكاسب الإسلامية؛ وفي عام 2018، أصبحت أول دولة عربية تعيد العلاقات مع سوريا بعد قطعها بسبب الحرب الأهلية. ثم سعت أبو ظبي إلى إعادة تأهيل الأسد داخل العالم العربي ولذلك فإن سقوط نظام دمشق يظل انتكاسة كبيرة للسياسة الإماراتية.

وترى الدراسة أن موقف المملكة العربية السعودية تجاه تحول السلطة في سوريا متناقض على نحو مماثل، على الرغم من أنها تنظر إلى انتصار هيئة تحرير الشام من وجهة نظر أكثر براغماتية من الإمارات. ففي حين دعمت الرياض المصالحة مع سوريا الأسد، إلا أنها لم تستعد العلاقات حتى عام 2023 وابتعدت عن دمشق أكثر.

ومثل الإمارات، تشعر المملكة العربية السعودية بالقلق إزاء التأثير الإقليمي الأوسع نطاقا لاستيلاء الإسلاميين على السلطة في سوريا؛ ومع ذلك، فهي أقل دافعاً أيديولوجيا من أبو ظبي في حربها ضد الحركات الإسلامية. وفي الوقت نفسه، ترحب الرياض بإضعاف إيران وحزب الله. وفي الآونة الأخيرة، كانت هناك علامات متزايدة على استعداد المملكة العربية السعودية للانخراط ــ براغماتياً ــ مع سوريا بقيادة هيئة تحرير الشام.

إسرائيل

أدى سقوط نظام الأسد إلى تحول ميزان القوى الإقليمي لصالح إسرائيل، وخاصة بعد انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات الأفغانية المتحالفة معها (مثل لواء فاطميون) من سوريا وإلحاق إسرائيل خسائر كبيرة بخصومها – بما في ذلك حماس وحزب الله وإيران – في أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وفور سقوط الأسد، أعلنت إسرائيل انهيار اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 مع سوريا وأطلقت عملية “سهم باشان”. ووفقاً لوزير الدفاع يسرائيل كاتس، كانت أهداف إسرائيل إنشاء نقطة مراقبة على جبل الشيخ تطل على وادي البقاع اللبناني، معقل حزب الله؛ وإنشاء منطقة عازلة جديدة ورادعة ضد المتمردين في دمشق؛ ومنع الأسلحة التي تنتمي إلى نظام الأسد من الوقوع في أيدي المتمردين.

وعلى الرغم من خطابهم المعتدل، اعتبرت إسرائيل الحكام الجدد في دمشق غير جديرين بالثقة بسبب ماضيهم المتطرف وعلاقاتهم المستمرة بالجماعات المتطرفة. وبناءً على ذلك، سيطر الجيش الإسرائيلي على المنطقة منزوعة السلاح التي أنشئت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974 (والتي كانت تشرف عليها سابقاً بعثة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك) وقمة جبل الشيخ.

كما أقامت إسرائيل نقاط تفتيش خارج المنطقة العازلة التابعة للأمم المتحدة. واغتنمت الفرصة لتدمير معظم القدرات العسكرية المتبقية لنظام الأسد حيث نفذ سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 130 غارة جوية في جميع أنحاء سوريا في غضون 48 ساعة، وفقًا لمتحدث عسكري إسرائيلي، تم خلالها القضاء على 70-80 في المائة من القدرة العسكرية السورية، بما في ذلك التدمير شبه الكامل لأنظمة الدفاع الجوي والرادار. وبالتالي تمت إزالة عقبة أمام الضربات الجوية الإسرائيلية مستقبلية ضد إيران.

الولايات المتحدة الأمريكية

تحوّل ميزان القوى في سوريا والمنطقة الأوسع أيضاً لصالح الولايات المتحدة: كان نظام الأسد خصماً وتم إضعاف كل من إيران والميليشيات المتحالفة معها. لكن أهداف السياسة الأمريكية تجاه سوريا لم تتحقق بالكامل بعد وتظل إشكالية بالنسبة لتركيا.

فواشنطن تواصل حملتها ضد داعش جنباً إلى جنب مع قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، بينما تستهدف تركيا والجيش الوطني السوري قوات سوريا الديمقراطية بنشاط، لكن الحكومة الأمريكية تعمل على التوصل إلى تسوية سلمية بين هيئة تحرير الشام وقوات سوريا الديمقراطية من جهة، وبين قوات سوريا الديمقراطية وتركيا من جهة أخرى.

في الوقت الحالي، لا يزال المسار الذي ستتبعه إدارة ترامب الثانية غير مؤكد وقد تتغير السياسة الأميركية تجاه سوريا بشكل مفاجئ. وليس أقلها أن هذا الغموض يمتد إلى وجود القوات الأميركية على الأراضي السورية في المستقبل وشراكة أميركا مع قوات سوريا الديمقراطية.

فبعد وقت قصير من سقوط الأسد، دعا ترامب الولايات المتحدة إلى الامتناع عن التدخل في الديناميكيات الداخلية في سوريا، في حين أيد مستشار الأمن القومي مايك والتز انسحاب القوات الأمريكية من البلاد. وعلى النقيض من ذلك، جادل وزير الخارجية ماركو روبيو في يناير 2025 لصالح استمرار مشاركة الولايات المتحدة في سوريا والدعم المستمر لقوات سوريا الديمقراطية. ووفقا له، فإن الأولوية ليست فقط تمهيد الطريق لـ “انتقال شامل” ولكن أيضاً لضمان عدم استغلال الجهات المعادية للعملية الانتقالية من أجل دفع أجنداتها الخاصة. وأكد أن سوريا يجب ألا تصبح “مصدراً للإرهاب الدولي”.

مقالات ذات صلة