الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةسوريات يمتهنّ وظائف الرجال ويطالبن بتغيير الصورة النمطية

سوريات يمتهنّ وظائف الرجال ويطالبن بتغيير الصورة النمطية

هاشتاغ_ إيفين دوبا

نتيجةً للحرب وتبعاتها، تضاعف عدد النساء اللواتي يعملن في سوريا. دخولهن سوق العمل جاء بدافع الضرورة التي فرضت نفسها. فالحاجة إلى كسب العيش وإطعام الأطفال أمر بالغ الأهمية للسكان المتضررين من الفقر والحرب.

قبل أقل من سنتين، بدأت سميرة صخر، تشعر بالراحة، كونها استطاعت تأمين مستلزمات عملية ابنها حمزة (14 عاماً)، فمنذ أن افتتحت سميرة محل بيع الدخان الخاص بها، لم تعد تسعى للسؤال عن إمكانية علاج ابنها في الجمعيات الخيرية، بل استطاعت تجميع ثمن مفصل اليد لابنها وإجراء العملية له من عملها.

تقول الأم لثلاثة أطفال في حديثها لهاشتاغ: “تمكّنت من كسب المال اللازم لإجراء العملية، إضافةً إلى تأمين مصاريف الجامعة لابنتي التي تدرس الصيدلة وابني الآخر الذي سيتخرج من المعهد الهندسي هذا العام”.

عيناها تبوحان بمقدار الفخر الذي تشعر به: “بقي عام واحد ويصبح ابني معافى تماماً من آلامه بعد انتهاء جلسات المعالجة الفيزيائية، وسأفرح بتخرج ولدي الآخرين”.

عقب ثلاث سنوات من اندلاع الأزمة في سوريا، انفصلت سميرة (52 عاماً) عن زوجها. غادرت منزلها في قريتها الواقعة في منطقة القلمون بريف دمشق دون أن يكون في حوزتها ليرة واحدة.

تقول: “فقدت منزلي وكل ما نملكه. واضطررنا العيش في العاصمة دمشق بين عشية وضحاها. هربت بأولادي من القرية حتى لا أسمع انتقادات أهلها بعد طلاقي”.

ومنذ ذلك الحين تعيش مع أولادها في غرفة بأحد الأحياء العشوائية بدمشق، وافتتحت بدايةً “بسطة دخان” صغيرة في أحد أسواق العاصمة، ومن ثم طوّرت الفكرة حتى استطاعت تأمين محل لبيع الدخان قريب من الغرفة التي تقطن فيها.

تتذكر قائلة: ” تعرضت للعديد من الانتقادات على طبيعة عملي والحال الذي وصلت إليه بعد طلاقي. لكني اليوم أفخر بما وصلت إليه وأشكر الله على شفاء ابني”.

نساء معيلات

نظراً لتدهور الظروف الاقتصادية في سوريا وعدم وجود معيلين ذكور نتيجة للحرب، فإنّ سميرة ليست المرأة السورية الوحيدة التي دخلت سوق العمل لأول مرة، كما أنّها ليست أول سورية تخوض تجربة عمل كانت مخصصة للرجال فقط.

وفقاً لتقرير المرصد الاقتصادي السوري لهذا العام الصادر عن البنك الدولي، تضاعفت مشاركة الإناث في سوق العمل من 13 في المئة في عام 2010 إلى 26 في المئة في عام 2021.

وبالمقارنة، تغيرت نسبة القوى العاملة من الذكور بشكل طفيف فقط من 72 إلى 76 في المئة خلال الفترة نفسها.

وأشار مدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة في سوريا إيهاب اسمندر إلى أن عدد المشاريع الصغيرة والمتوسطة وصل حسب آخر إحصاء قامت به وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية مع المكتب المركزي للإحصاء إلى 780 ألف مشروعاً معظمها متناهية الصغر بنسبة وصلت إلى 70 في المئة.

خارج السيطرة

دخول سميرة عالم الأعمال من خلال بيع الدخان، يسلّط الضوء أيضاً على تغيّر نمط عمل المرأة في سوريا حتى ضمن المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة السورية.

عائشة المصطفى (29 عاما) نازحة من مخيم اليرموك إلى مدينة خان شيخون جنوب إدلب. توفّي زوجها بفيروس كورونا قبل عامين.

اضطرت للعمل في ورشات الأراضي الزراعية لتأمين مصاريف أولادها الثلاثة، كونها المعيلة الوحيدة لهم.

تقول عائشة لهاشتاغ:” واجهت العديد من الصعوبات بالعمل؛ منها طول ساعات العمل وقلّة الأجور، إذ لا يتجاوز أجر عمل اليوم 35 ليرة تركية”.

كانت عائشة تنزعج من نظرات الاستعطاف أو الدونية للأرملة والمطلقة في محيطها، وتقول: “هذا الأمر دفعني لأعتمد على نفسي وألا احتاج أحد. يبقى العمل مهما كان نوعه وطبيعته أفضل من انتظار شفقة العالم أو سلات الإغاثة والمساعدات الخارجية”.

ومع هذا، تؤكد عائشة أنّها تعرّضت لضغوط من أهلها حتى تترك عملها، واقترحوا عليها ترك أولادها والزواج مرة أخرى “لكني رفضت” كما تقول.

لا تملك عائشة شهادة جامعية، ووصلت مرحلة التعليم الثانوي قبل زواجها، الأمر الذي لم يساعدها في الحصول على وظيفة في إحدى المنظمات وترك العمل في ورشات الزراعة.

على مدار الاثني عشر عاماً الماضية، تدهور الوضع في شمال غرب سوريا من منطقة زراعية غنية إلى واحدة من أكثر المناطق فقراً.

ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش حوالي 2,8 مليون نازح في حوالي 1500 مخيم للاجئين في هذه المنطقة.

تقول رئيسة مؤسسة هاينريش بويل آنا فلايشر: ” تخشى النساء في إدلب الميليشيات الإسلامية مثل هيئة تحرير الشام وغيرها. هي ليست أكبر المعجبين بفكرة أنّ النساء يتعلمن ويعملن ويصبحن مستقلات مالياً أيضاً”.

عمل محظور

مع كثرة الشواغر المتروكة من قبل شباب سوريا، اخترقت السوريات مجالات عمل كانت محظورة من قبل، ومن المهن التي باتت متاحة للنساء بعد عقود من الاحتكار الذكوري، العمل كسائقات لسيارات الأجرة، أو حتى صيد الأسماك إضافة إلى أعمال البناء والنقل في أسواق الخضار والمناطق الصناعية.

بينما تتجول شهد محمد وسط مدينة طرطوس الساحلية، تسعد العديد من نساء محافظتها بتعلم مهنة قيادة السيارة منها.

تقول الأم لطفلين:” توفي زوجي خلال الحرب في دير الزور شمال سوريا. ترك لي بيتاً في القرية وسيارة خاصة. لم أستطع العمل في أي مهنة سوى تدريب النساء على قيادة السيارة”.

توجّب على السيدة الثلاثينية، بسبب عملها، أن تصبح أكثر صلابة من أجل منع سائقي سيارات الأجرة الذكور من التفكير في محاولة مضايقتها أو السخرية منها.

وقالت شهد إن عزمها على إعالة طفليها أقوى من النظرات الغريبة لأولئك الذين لم يعتادوا على رؤية امرأة تقوم بما يُنظر إليه على أنه عمل ذكوري في سوريا.

نظرة نمطية

وكانت صحيفة الفايننشال تايمز قد نشرت تقريراً أوائل عام 2019 قالت فيه إنّ النساء السوريات بتن يشكلن المصدر الأساسي للدخل لعائلاتهن.

وأوضحت أن حصول المرأة على عمل مدفوع الأجر مرهون بالمكان الذي توجد فيه، وتختلف ردود فعل الناس وتعاملهم معها من منطقة إلى أخرى، لكن حتى في العاصمة دمشق تواجه النساء التمييز والمضايقة.

وضربت الصحيفة أمثلة على نساء يعملن في ظروف قاسية، من بينهن من فقدت زوجها وولدها الأكبر في الحرب، وبقيت هي مع أطفالها الصغار، وهو ما اضطرها للعمل لإعالتهم.

ووفقاً للهيئة السورية لشؤون الأسرة، وهي منظمة غير حكومية تهتم بالمسائل السكانية، كانت نسبة الرجال والنساء متساوية تقريباً قبل الحرب. لكن، أصبح هناك الآن رجل واحد لكل سبع نساء، في الوقت الذي تعلن الأرقام الرسمية وفقاً لصحيفة تشرين الحكومية.

وإذا لم يتم احتساب المقاتلين والمهاجرين من الذكور، فإنّ 65 بالمئة من السوريين الآن هم من الإناث مقابل 35 في المئة من الذكور.

وتضيف الصحيفة أنّ كثيراً من أرباب العمل يضطرون لتوظيف النساء في وظائف مختلفة ، في ظل نقص عدد الذكور.

وربطت الأخصائية الاجتماعية وئام رستم استغلال جهد النساء في العمل بالنظرة النمطية في المجتمع السوري للمرأة والتقليل من قدراتها.

وتقول لهاشتاغ:” لو تمّت المقارنة مثلاً بين أجور النساء والرجال دائماً تكون أجورهن أقل”.

وأضافت الأخصائية الاجتماعية أن “النظرة النمطية لطبيعة عمل المرأة السورية تضاعفت بالنسبة للكثيرات كونهن يعملن بأعمال شاقة خارج المنزل ويعدن للاهتمام بأطفالهن ومنازلهن. في الوقت الذي يغيب فيه الرجل مفقوداً أو ميتاً أو مهاجراً”.

ومن وجهة نظر رستم فإنه لا حلّ لمعاناة السوريا العاملات إلا بوجود قوانين تضمن حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق المرأة بشكل خاص، وتوعية المجتمع على أهمية التغيير في ضوء التطورات والظروف الحالية.

وطالبت رستم من السوريات العاملات للحديث في مختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي عن طبيعة أعمالهن، وإبراز شجاعتهن في اختيار توعية أعمال كانت حكراً فقط على الرجال.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة