هاشتاغ-مازن بلال
أسابيع قليلة من الاشتباكات المتنقلة في سوريا توضح نوعية التداخل العسكري، والتعقيد الذي خلفته المواجهات في الشرق السوري على امتداد عقد كامل، فالمسألة لا ترتبط باستهداف أمريكي لفصائل تدّعي أنها موالية لإيران، ولا فقط قصف قاعدة التنف عبر مسيرات، أو في الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة مصياف وطرطوس، فهذه الأحداث تقع على قاعدة “الاشتباك المفتوح” في سوريا، وتمثل سياقا يتطور مع عدم القدرة على رسم حل سياسي.
في الشكل العسكري تبدو الاشتباكات نوعا من هامش المواجهة المؤجلة بين كافة الأطراف، فحتى التسريبات “الإسرائيلية” حول سحب منظومة S300 هي جزء من الصدام الحاصل، فالمفارقة لا تتعلق بصدقية الخبر إنما بتزامنه مع التوتر المتنقل من الشمال السوري باتجاه جوف البادية، في وقت يصعب تقدير التكتيكات التركية تجاه عمليتها المؤجلة ضد الأكراد، ففي عمق هذه التشابك يتضح أمرين أساسيين:
الأول أن المسألة السورية لم تعد تملك بالنسبة لكافة الأطراف الخارجية المنخرطة بالصراع مسارا واضحا، فالتحالف الدولي الذي يدعي التواجد للقضاء على “داعش” دخل معركة مختلفة مع فصائل يدعي أنها موالية لإيران، بينما يواجه الدور التركي استحقاقا لا علاقة له بالهدف الرئيس لصراعه مع دمشق، فهو اليوم يحاول تحييد التواجد الكردي فاتحا مساحة جديدة للتعاون مع الحكومة السورية.
هذه المسارات لم تعد تلتقي مع التواجد الروسي في سوريا، ففي المحصلة كانت العملية العسكرية الروسية تهدف لإيجاد توازن عسكري يحمي العملية السياسية، وهذا الأمر أدى في المحصلة إلى المواجهات المتقطعة في الشرق السوري.
ورغم أن العمليات العسكرية تبدو محدودة لكنها تقع في مساحة مفتوحة على الحدود العراقية، وتؤشر إلى دور أمريكي يتحول تدريجيا ليصبح نقطة مراقبة للعلاقات على جانبي الحدود العراقية – السورية.
الثاني مرتبط بالأدوار الإقليمية العربية الغائبة كليا، فهناك اعتراف مضمر بأن أي مغامرة من قبل الدول العربية ستغرق في تفاصيل الصراع بين الأطراف الأكبر سواء على المستوى الإقليمي أو حتى الدولي.
كانت دولة الإمارات أول من فتح مساحة الدور العربي بشكل موضوعي عبر إعادة العلاقة مع دمشق، وأتاحت أنقرة وفق بعض التقارير مساحة لهذا الدور الذي بقي محاصرا باعتبارات مختلفة، وبأشكال متفاوتة من الترتيبات الإقليمية التي شهدت تطورا عبر قمة طهران، أو حتى اللقاءات الروسية – التركية المستمرة.
التباين حول الأزمة السورية اليوم تجاوز مسألة إعادة رسم شرقي المتوسط أو تحجيم الدور الإيراني، فهو أصبح نقطة ضغط بين الأطراف الدولية بعد انهيار المسار السياسي، وتحول الحرب الأوكرانية إلى استنزاف دولي لا يطال روسيا فقط بل النظام الدولي، فالحرب الأوكرانية اشتعلت مع إدراك جميع الأطراف، بما فيها موسكو، أنها ليست حرب حسم عسكرية بل لفرز العالم من جديد، وفي مناطق التصادم مثل سوريا يصبح الفرز أمرا صعبا لا يحوي احتمالات واضحة، فالرهانات النهائية تجاهها لن تتجاوز كسر أي احتمال لإعادة تكوين منظومة الشرق الأوسط من جديد.