هاشتاغ-مازن بلال
يتشكل العالم اليوم على أساس فرضيات يمكن أن تظهر ضمن الحرب الأوكرانية.
وبالرغم من أن الجيش الروسي لم يتجابه بعد على المستوى العسكري مع القوى الدولية، لكن موسكو مشتبكة عالميا مع نظام سياسي – اقتصادي يصعب معرفة بدائل له فيما لو انهار أحد الأطراف.
المعركة الأوكرانية في ملمحها الأولي حرب عالمية تسعى إلى إزاحة روسيا عن المشهد الدولي، فيما يحاول قادة الكرملين كسر جملة احتكارات النظام الدولي الحالي، وهذا “الكسر” يعني أيضا تطويق القوة السياسية والاقتصادية الأمريكية.
هذه الصورة العالمية حجبت الكثير من التفاصيل والملفات، وعلى الأخص الملف السوري الذي أصبحت التسوية فيه تعني انتصارا نهائيا لأحد الأطراف.
ففي ظل معركة عالمية لا يمكن التفكير بـ”تسويات معتدلة” لأنها متناقضة مع طبيعة الحرب القائمة، وهذا ما جعل لقاءات اللجنة الدستورية مؤجلة، ووضع سوريا في موقف مشابه لمرحلة ما قبل الاستقلال، حيث لم يحدث اختراق في الجلاء الفرنسي إلا بعد سقوط برلين.
عمليا؛ يشكل هذا الواقع آليات غير مألوفة نتيجة تراجع الوضع الدولي، ويتيح التعامل مع الملف السورية من زوايا داخلية بالدرجة الأولى، فـ”التسوية المستحيلة” دوليا يمكن أن تفتح مجالا لإعادة ترتيب أوراق الملف السوري وفق آليات داخلية، ورغم الاعتراف الدولي بهذه التسوية، فإنه لن يظهر إلا مع تراجع حدة المواجهة بين روسيا والغرب، إلا أنه يفتح ممكنات إعادة بناء القوة نظرا لاختلال التوازن في النظام العالمي.
إعادة ترتيب البيت السوري تبدو متاحة رغم كل الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة ككل، فالاحتمالات المفتوحة عالميا نتيجة الحرب الأوكرانية تجعل دراسة الواقع السوري أكثر ضرورة وأهمية لأن الشكل الإقليمي للمنطقة يتبدل ولو ببطء، ويطرح مؤشرين أساسيين:
الأول هو أن أطراف الصدام لم تعد مصالحها مرتبطة بالضرورة بنوعية الصدام الحاصل في سوريا، بل ربما على العكس فإن طرفا مثل تركيا يحتاج إلى تصفية نتائج حربه تحسبا لأي تحولات دولية ممكنة.
طرحت الحرب الأوكرانية حالة اللايقين على المستوى الدولي، فهي بقدر ارتباطها بالمنافسة بين موسكو وواشنطن لكنها أشعلت صراعات على امتداد أوروبا على مصادر الطاقة، وكشفت أن أسباب اندلاع الحرب السورية لم تعد ذات وزن داخل عواصم القرار الدولية، وهذا الموضوع بدأ مع تواجد القوات الروسية في سوريا، وهذا ما جعل الاشتباك في سورية أكثر صعوبة، وإمكانية إحداث تغيير سياسي في سوريا يعيد إنتاج الشرق الأوسط من جديد مسألة معقدة إن لم تكن مستحيلة، وبعد اندلاع الحرب الأوكرانية أصبحت الترتيبات الإقليمية مرتبطة بنتائج هذه الحرب فتراجع الاهتمام بكل أطراف الحرب في سوريا.
المؤشر الثاني يتعلق بإمكانية الاعتماد على الأطراف السورية من المعارضة، حيث بدأت حالات التفكيك لهذه “الأجهزة السياسية”، والبحث عن بديل عنها لن يبدأ قبل اتضاح شكل النظام الدولي عموما.
هناك برود دولي مفيد في إيجاد حل سياسي في سوريا، لأنه يفتح احتمالات مختلفة لصياغة الأزمة على المستوى الداخلي، وهذه الإمكانية تتضح إذا استوعبت القوى السورية أن هناك مساحات جديدة، وأن الأزمة ترتبط بقراءتهم لما حدث وليس بافتراضات دولية.