يقول أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم الدنماركي يروغ سورنسن في كتابه “إعادة النظر في النظام الدولي الجديد” إنه يجري استخدام مصطلح “الدولة الهشة” للإشارة إلى الدول الضعيفة في المناطق الجنوبية من العالم حيث الاقتصاد متهالك، والنظام السياسي فاسد وغير فعال، والمجتمع مفتقد.
ويتابع سورنسن القول: “إن هشاشة الدول تضر بالمواطنين فهي تقلص فرصهم في رغد العيش الذي يعني الأمن والنظام والعدل والرفاهية والحرية بوصفها قيماً يريد معظم الناس تحقيقها، ونتيجة تلك الهشاشة يتعين على الناس أن يعيشوا على الدوام في حال من انعدام الأمن والصراعات العنيفة”.
وبناء على أطروحة سورنسن تلك فإن أبعاد الهشاشة هي ثلاثة: السياسة والاقتصاد والمجتمع، وإن آثار الهشاشة النهائية هي الصراع والعنف.
وبإسقاط سريع لذلك التحليل على الدولة السورية نجد أن سوريا أصبحت دولة هشة بامتياز، وأنها تحمل عناصر الدولة الهشة فعليا، ولكن كيف تم بناء هشاشة الدولة السورية تاريخيا؟ وهل هناك أفق لتجاوز هذه الهشاشة؟
لقد تمت بناء هشاشة الدولة تلك منذ ما يقارب الستين عاماً؛ إذ تميز النظام السياسي السابق (نظام البعث/ نظام الأسدين) بالفساد وعدم الفعالية السياسية الداخلية باستبداده السياسي والأمني، ومركزيته الشديدة في الحكم، وإلغائه الحياة السياسية تماماً في المجتمع، وانفراده بالسلطة وتنميطها على مقاسه فقط، وإنكاره أي عملية ديمقراطية حقيقية، وحصره العمل السياسي في آلية حزبية ضيقة ومؤسسات مسيسة تابعة لمنظومة الحزب الحاكم فقط.
وبالوقت نفسه، فقد فشل النظام السياسي السابق في بناء اقتصاد قوي متطور وحداثي، وفشل في بناء نموذج تنموي شامل يقلص التفاوت الطبقي والتمايز الجغرافي ويحقق العدالة الاجتماعية، فتحول الاقتصاد إلى اقتصاد متهالك فعلياً لم يتم لا إصلاحه إصلاحا حقيقيا ولا استبدال نموذج اقتصاد آخر به ينتشل البلاد من أزماتها الاقتصادية.
أما المجتمع فقد كان مفتقداً جداً؛ إذ حرمه النظام السياسي السابق من تشكيل نفسه في نقابات ومنظمات غير حكومية وأحزاب حقيقية وفعالة، وحرمه بالتالي أشكال التعبير كافة عن نفسه تعبيرا ديمقراطيا وحوّله إلى حالة سلبية غير فعّالة وغير منتجة مدنياً ففُرط العقد الاجتماعي الحقيقي بين المجتمع والدولة وتمزق المجتمع وارتد إلى انتماءات ما قبل الدولة معتمداً في البحث عن ذاته على الدين والعشيرة والأسرة والمنطقة وغيرها.
انفجرت تلك الهشاشة مع بداية عام 2011 وظهرت بأبشع صورها، وها هي تنفجر الآن مرة ثانية وتُظهر أبشع صورها مجدداً وعلى كل الجغرافيا السورية وبأدوات وأفكار متنوعة؟ فما الحل؟
الحل ببساطة هو إعادة بناء الدولة بما تعنيه تلك الكلمة من معنى بنموذج سياسي تشاركي حقيقي، ونموذج تنموي لا يستثني أحدا، وتفعيل الحريات الاجتماعية، أما ما الأدوات لتحقيق ذلك؟ فقد باتت معروفة للجميع وطُرحت منذ زمن وما زالت تُطرح يوميا، فإما الاستجابة ونفي الهشاشة وإما الرفض والاستمرار بالتفكير نفسه وتعميق الهشاشة وتعميق العنف وتعميق الصراع.