هاشتاغ – رأي مازن بلال
المعارك عند الحدود السورية اللبنانية تنقل مشهدا غير مسبوق للعلاقات بين البلدين، فالاشتباك في شكله العام لا يستند إلى أي بعد سياسي، لكنه ينقل حالة فراغ حقيقية في قوة الدول على طرفي الاشتباك، وإذا كانت الروايات تتحدث عن حالات التهريب فإن تجربة الدولتين كفيلة باستيعاب أي حدث أمني مشابه، لكن المعارك ظهرت بوصفها تصفية حسابات خارج إطار التاريخ السياسي للبلدين، وكسرت العلاقة بين بيروت ودمشق التي كانت على الرغم من التوترات تحمل شكلا من التداخل الجغرافي والسكاني.
مناطق الاشتباك ليست جديدة في مسائل التهريب، والقرى التي شهدت تلك المعارك تحمل رمزية خاصة لطبيعة الحدود بين البلدين، وعلى الرغم من الاتصال بين رئيسي البلدين، أحمد الشرع وجوزيف عون، لكن التوتر والتصعيد العسكري استمر وصولا لتدخل “إسرائيل” إلى خط المعارك وقصفها بعض المناطق في جانبي الحدود بين البلدين، وإذا كانت الرواية “الإسرائيلية” تتحدث عن نفق تم تدميره، فإن الصورة النهائية توضح أمرين أساسيين:
الأول فشل الجانين السوري واللبناني بإدارة تلك الأزمة، فحتى لو ارتبط الأمر بقطع إمداد السلاح بين سوريا ولبنان؛ فإن السلطتين في بيروت ودمشق تسيران في هذا الاتجاه والتصادم يبدو غريبا لأنه جاء بدلا من التنسيق الأمني.
المعارك التي تدحرجت تدحرجا سريعا تشير إلى أن الدخول إلى القرى الحدودية في سوريا لم يتعامل مع الطبيعة الخاصة لتلك المنطقة، والاشتباك مع “العشائر” هو خروج عن قواعد الاشتباك بين أي بلدين يملكان تلك الحدود الطويلة، فالجيش اللبناني تأخر في التدخل، في وقت كانت محاولات التهدئة تفشل لأنها تجري مع نسيج اجتماعي وليس مع مؤسسات الدول.
الأمر الثاني، إن الجانب السوري كان يخوض تلك المعارك من دون امتلاك “هيكلية الجيش” الذي يتم اليوم تأسيسه من جديد، فالمعركة كانت تدور وفق آلية لا تحمل الضوابط العسكرية المألوفة، ولم يتم إعلان هدف تلك المعارك بوضوح.
في الجانب اللبناني فإن المؤسسة السياسية كانت مشغولة بالتشكيل الوزاري، وبانتشار الجيش في الجنوب إضافة إلى الاتصالات الدولية بوساطة المبعوثين الذين زاروا قصر بعبدا، وتفاجأ الجيش اللبناني بوضع جديد وانتشار في الشمال الشرقي لسد الفراغ الأمني نتيجة المعارك، والواضح أن الهيئات السياسية اللبنانية لم تكن مهتمة بما يحدث ولم تحاول التعامل معه على أنه تهديد لسلامة أراضيها، فتركت سكان البقاع يتعاملون مع الوضع، وعندما تفاقم انتشرت بعض وحدات الجيش من دون أن يشكل هذا الوجود بداية عمل سياسي لإنهاء الوضع.
ما يجري يعيد الوضع في لبنان إلى الاقتراحات التي ظهرت في حرب 2006 واقتراح نشر قوات دولية إلى جانبي الحدود السورية – اللبنانية، وهذا المشروع كان يهدف بالدرجة الأولى إلى قطع إمداد السلاح من سوريا إلى حزب الله، لكن سوريا اليوم لم تعد قادرة على تأدية هذا الدور، فمن الناحية العسكرية تم تدمير قدراتها، وعلى المستوى السياسي هي تعد حزب الله خارج كل اعتباراتها، والاشتباكات التي جرت مؤخرا لا تحمل الأبعاد نفسها التي حكمت البلدين سابقا، فهي ظهرت نتيجة فقدان الثقل السياسي الإقليمي وعدم القدرة على إدارة أزمة كان بمقدور الدولتين حلها سريعاً.