الخميس, أبريل 24, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةسوريا.. عالمنا الجديد

سوريا.. عالمنا الجديد

هاشتاغ – رأي: نضال الخضري

 رغم أن الإعلام السوري كان محط انتقاد الجميع، فإن غيابه عن المشهد محبط لأبعد الحدود، فهناك فراغ حقيقي في سوريا لا يتعلق بجود المادة الإعلامية بل بغياب أحد أشكال السيادة المألوفة في الدول، فمهما كان نوع المواد التي تقدمها الشاشات لكنها في النهاية تنقل على الأقل تصورات الإدارة السياسية ورؤيتها مهما كان موقفنا منها.

 نحن اليوم ضحايا غياب الصورة الحقيقية، فما نملكه فقط هو “تكهنات” وسائل التواصل الاجتماعي، وتنبؤات آلاف الأشخاص الذين يرون ما يحدث من أضيق زاوية، فالرأي العام يتموج على إيقاع غريب يجعل من صورة سوريا محصورة في أخبار الإعانات، أو الاتصالات التي تظهر وتختفي فجأة من دول ترصد ما يحدث وكأننا دولة “فضائية” فيها من الغرابة ما يستحق المشاهدة.

 توقف البث التلفزيوني السوري لا يرتبط فقط باعتماد مصدر رسمي بل أيضا بحالة “قطع” مع تاريخ طويل وتجربة ليست مرتبطة حصرا بمرحلة البعث الطويلة، فالتلفزيون السوري كان ثقافة خاصة وذاكرة لأجيال لم تتعلق فقط بالأخبار بل أيضا بدائرة أوسع من الإنتاج التلفزيوني الذي خلق عالماً خاصا للأجيال المتلاحقة، وكونه فضاء ثقافياً لا علاقة له بالصراعات السياسية المستمرة منذ أن ظهرت الدولة السورية بعد الاستقلال.

 في عالمنا الجديد هناك الكثير من المظاهر التي غابت لتتركنا في متاهة البحث عن أنفسنا، والإعلام هو أكثر المسائل التي نبحث عنها اليوم ليس من أجل الخبر إنما لنشكل صورة عن مرحلة سياسية تتبلور اليوم على إيقاع الوجع القديم وربما المستمر في المساحة السورية التي باتت هاجسنا وقلقنا الدائم، ففي الماضي كنا نمر مرورا عابرا على الفضائيات السورية، وفي الوقت نفسه تكفينا تلك اللحظات السريعة حتى نعرف أن هواجس المجتمع موجودة مهما كانت معالجاتها سطحية، لكن الأهم هو أن المرور السريع يؤكد لنا أننا موجودون على خريطة السيادة على الرغم من كل الألم الذي يحيط بنا.

 غابت الفضائيات السورية في المرحلة الحرجة، واختفت أهم أداة لتأكيد “السلطة” وفق الشكل الذي اعتدناه في تاريخ سوريا السياسي، ولم يذهب السوريون لسماع البيانات الرسمية بوساطة البث الفضائي أو الإذاعي، واكتفوا بوسائل التواصل الاجتماعي التي تملك تخمينات وافتراضات ولوحة مشوشة لحدث ربما سيبقى الأخطر في تاريخ سوريا.

 الإعلام الرسمي ليس بثاً لأخبار فقط، أو برامج يمكن للجميع انتقادها؛ لأنه في النهاية مساحة تفاعل سياسي تجعل الناس على تماس مباشر مع الإجراءات السياسية أو الأحداث كافة التي تشكل المستقبل، وغيابه عن ساحة المجتمع السوري لا يطرح فقط إشارات استفهام عن الحدث السياسي، إنما يشكل فراغاً حقيقياً لثقافة الناس الذي يرون في الإعلام أحد أشكال “الشرعية” وذلك بصرف النظر عن رأيهم من أداء محطات البث أو حتى الصحف وغيرها.

 عالمنا الجديد حتى الآن يحتاج إلى تصورات جديدة لا تملك أهم أدوات بناء الرؤيا عند الناس، لأن غياب الإعلام الرسمي يزيد من الخلل في البيئة السياسية التي علينا ترميمها لتحقيق الانتقال نحو المستقبل.

مقالات ذات صلة