الأربعاء, يناير 15, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

سوريا.. كيف نتجه؟

هاشتاغ: نضال الخضري

 بدأت السردية السورية وانتهت عند النقطة نفسها، فالملامح تغيرت بالتأكيد وتحولت معها أحلام السوريين بشكل الوطن، وعلى الرغم من سنوات الحرب السابقة، وربما القادمة، أصبحنا في مساحة مفتوحة يصعب تلمس رؤية لها طالما بقيت الروايات تتضخم والقطيعة مع تجربة الماضي السياسي تتسع، فما حدث بصرف النظر عن المواقف منه شكل مشهداً لم يكن متوقعاً.

 لا أحد يستطيع ادعاء الانتصار أمام حطام جيش ومؤسسات، ولا أحد يستطيع الحديث عن قدرته في التعامل مع مرحلة هي الأصعب، فعدم وجود فعل سياسي كان العامل الأقوى في ما حدث، وتسارع الصراع الإقليمي للتأثير في مسار الحدث السياسي ما بين اجتماعات في دمشق اليوم وفي الأردن غداً، فإن المستقبل مرهون بحالة غير مسبوقة في تاريخ مجتمع اعتاد السير بمفرده.

من دون الدخول بالتفاصيل هناك ذهول اللحظة الحاضرة، فساحات المدن التي شهدت أسرع تحول في تاريخها تشهد على أن مظاهر”الفرح” هي قبل كل شيء صدمة من حدث غير مفهوم، وهي أيضاً “وجل” من مواجهة الأسئلة المتراكمة عن المستقبل الذي يغطيه غبار معارك استمرت عقداً ونصف، فالذاكرة التي انهارت خلال الأيام الماضية ستستعيد خلال أشهر المشاهد القديمة لأجيال مرت على سوريا منذ الاستقلال، وتغيب اليوم بشكل دائم وكأن الحاضر “لقيط” لا يملك معرفة بجذوره.

 سوريا ليست اقتطاعات جغرافية ولا فتوحات عسكرية بل قدرة مذهلة على تلقى الصدمة للتعامل معها من جديد، وهذا على الأقل ما نفهمه عندما نحاول دراسة تاريخ يمتد أكثر من 4000 عام، لكن سوريا أيضاً هي في عالم لا يمكن اختصاره بفترة تاريخية لأنه بات يسير أسرع بكثير من قدرة الناس على التكيف، وبالانتظار يصعب فعلياً رسم تخيل فعلي لما يمكن للمجتمع أن يفعله وذلك في ظل حجم السرديات المتداولة، و”المحاسبة الإعلامية” على الأقل لمرحلة سياسية انتهت قبل أيام.

 لملمة الجراح اليوم ضرورية، ولكن تجميع المعرفة لكي تستطيع سوريا أن تتعامل مع هذه الحالة الجديدة كلياً هو أيضاً أكثر ضرورة، فالمسألة ليست نهوضاً بل خلق بلد آخر وبقفزة تبدو مستحيلة إذا بقيت تصوراتنا محصورة بمساحة الماضي القريب أو حتى البعيد، فالحلم لم يعد في تحول ثقافي كما كان قبل أيام قليلة، وإن علينا خلق لون ربما يخالف قوانين انكسار الضوء، والخروج من دائرة مغلقة ومعيبة لم تظهر اليوم بل ربما قبل ذلك بكثير وفرضت عطالة غير مسبوقة على كل التفاصيل التي تحيط بنا.

 يصعب نسيان كل الصور السياسية السابقة ولكن علينا على الأقل تحييدها عن تفكيرنا، فالبناء القادم يحتاج إلى مساحة مفتوحة حتى يظهر “الخلق الجديد”، وربما يعز علينا كل أشكال السيادة التي بقيت منذ الاستقلال ولكن سيادة جديدة علينا خلقها تتجاوز أبجديات السياسة التي ألفناها، بالتأكيد كل الكلام اليوم يبدو عبثا لكنه محاولة للتحرر من مخاوف الحاضر وانهيارات الماضي، فسوريا التي يجب أن تظهر هي في تفكير يكسر كل ما هو متوقع.

مقالات ذات صلة