في الحدث الأفغاني مؤشر واحد يرتبط إقليميا بالأزمة السورية، فالمسألة أبعد ما تكون عن هزيمة أمريكية لأن معادلة المخاطر تجاه الولايات المتحدة تبدلت.
هاشتاغ-رأي- مازن بلال
واستعادة طالبان الحكم في كابول يعني أن صراع الولايات المتحدة من شرقي المتوسط باتجاه الصين يتبدل، فهذه المنطقة المزروعة بالمجموعات المسلحة ابتداء من طالبان وانتهاء بالنصرة وقسد تعني وجود قوس من الحكومات الفاشلة، وبالنسبة لواشنطن فهي حزام جغرافي أيضا يفصل شمال آسيا عن جنوبها.
بالتأكيد فإن وجود طالبان على هرم السلطة في أفغانستان سيعزز خط الدول “المؤسسة دينيا”، وذلك بغض النظر عن الاختلاف النوعي بينها، فالمسألة ليست في اتهام إيران أو غيرها بالاستناد إلى شكل ديني للدولة، بل في طبيعة المرحلة السياسية التي نشهدها، ومع القناعة الكاملة أن لإيران مساحة سياسية واستراتيجية مختلفة، لكننا أمام إطار عام مرهق من الصراعات المحتملة، فمهما تغيرت طبيعة طالبان وفق بعض التقارير إلا أنها ستشكل في النهاية مرجعية سياسية – دينية مؤثرة في المجموعات المسلحة الموزعة ما بين أفغانستان وإدلب.
عمليا فإن الانسحاب الأمريكي هو تحول جيوستراتيجي في المخاطر، ورغم أنه أبعد ما يكون حاليا عن التأثير المباشر في الأزمة السورية، إلا أنه سيرسم ملامح لأشكال الصراعات المفتوحة، وهي صراعات بعيدة كليا عن التواجد الأمريكي في المنطقة، فالتصورات القادمة تحمل أمرين:
– الأول اعتماد تقسيم جديد في مركزية الاستقطاب الديني إقليميا، فسابقا كانت السعودية محركا أساسيا في الحرب الأفغانية ولاحقا في الحرب العراقية ثم السورية، بينما نشهد اليوم ابتعاد الجزيرة العربية لصالح محور أنقرة – طهران رغم بقاء رمزية السعودية.
في النموذج السوري لم يبق من السعودية سوى اسم الوفد المفاوض، بينما التأثيرات التركية هي الأقوى، وحتى بالنسبة للمجموعات المسلحة فإن مرجعية “جبهة النصرة” تولت أيضا بشكل يشبه الحديث عن التحولات التي شهدتها “طالبان”، فالحدث الأفغاني يشكل تلقائيا نموذجا لمرجعية خاصة للمجموعات المسلحة في إدلب أو حتى في البادية السورية وصولا إلى العراق، وإذا كان من السابق لأوانه البحث عن خارطة صراع المجموعات المسلحة المتطرفة مع سيطرة طالبان من جديد على أفغانستان، إلا أنه من الضروري البحث عن المظهر المناقض لمسألة تلك المجموعات عبر قوة الدولة ومركزية قواتها المسلحة في سورية وغيرها من دول المنطقة (العراق تحديدا).
– الثاني هو أساليب العلاقات في المنطقة والمعتمدة على أذرع طويلة للدول، وبغض النظر عن وظائف هذه الأذرع في اليمن والعراق وسورية ولبنان؛ فإن هذه الآلية مؤهلة اليوم لتحول جديد مع وجود طالبان.
الحدث الأفغاني ليس بعيدا عما يحدث في سوريا لأنه يشكل خارطة علاقات إقليمية، خصوصا مع وجود فصائل مسلحة متنوعة في سورية وبشكل يجعل هذه الفصائل خاصرة رخوة للتأثير على الوضع السوري، فالمسألة ليست في وجود مناطق خارج سيطرة الدولة بل في نموذج الفصائل القادرة على التحول وفق تبدلات الصراع من كابول إلى إدلب.