هاشتاغ_مازن بلال
بعيدا عن الإحصائيات التي تصف الوضع المعيشي في سورية، فإن صور الحياة تبدو متناقضة بشكل غريب، فالمؤشرات الاقتصادية لا تدفع إلا باتجاه واحد يراقب الأداء الحكومي أو ينتقد الإجراءات الرسمية.
وطوال الحرب التي خلقت تشوهات اجتماعية فإن الثقافة العامة بدت عاجزة عن الدخول في مجال تعاون إنتاجي مختلف، بل ربما على العكس بقيت صيغ “التكافل” مرتبطة بالقدرة على “دعم” الأسر الفقيرة بنفس الطرق التقليدية، بينما يتم استنزاف الموارد البشرية بالسفر أو بسوق العمل الضيق المعتمد اليوم على قطاع الخدمات الضيق.
لن تطرح الحرب حالة تحاول عدم الاتكاء على الدعم الحكومي، والشرائح الأكبر من المواطنين تدخل في اقتصاد “الظل” الذي ينهك الجميع ويستنفذ القدرة على رسم واقع إنتاج مختلف، فالسوريون على ما يبدو مقتنعون أن الوضع الاقتصادي ليس فقط في حالة تدهور، بل ضمن حالة “ميؤوس” التعامل معها، وأمام العجز الحكومي في إعادة ترتيب ملفات الأزمة الاقتصادية فإن عناوين الحصار أو غيرها تبقى الأكثر حضورا على المستوى الإعلامي والشعبي أيضا.
أقرأ المزيد: بانوراما لحدث واحد
عمليا فإن الرهانات على تحسين الواقع المعيشي مازالت تقف على مساحة “التغير” الذي يمكن أن يظهر سياسيا، وهو أمر غير واضح في ظل الواقع الإقليمي، وعندما لا تظهر أشكال تعاونية على المستوى الاجتماعي لتجاوز الحالة الراهنة فإننا نقف أمام ظاهرة مركبة تتجلى في أمرين:
– الأول أن المنتجين الكبار، وهم متوفرون في سورية ليسوا مهتمين بالوضع الخاص للسوق السورية، ويفضلون الأسواق الإقليمية عن الدخول في تحدي التعامل مع واقع بالتأكيد صعب لكنه في النهاية هو الحاضن للرأسمال الوطني.
المسؤولية الاجتماعية بالنسبة للرأسمال الوطني، أو القطاع الخاص، حاضرة بشكلها التقليدي لكنها غائبة كمفهوم لعملية التنمية بشكل عام، والجميع يعرف الصعوبات التي يعاني منها القطاع الخاص سواء على مستوى حالات الفساد القائمة، أو في طبيعة المشاركة بعملية النمو، إلا أن المنتجين أنفسهم غائبون عن المشاركة في حوار زج المجتمع بعملية إنتاج مختلفة، فهم يفضلون الاكتفاء بأشكال المشاركة الحالية التي تتحدث غالبا عن التشريعات والقوانين؛ عوضا عن خوض تحد اقتصادي حقيقي يكسر حالة الاتكاء فقط على الإجراءات الاقتصادية الحكومية.
– الثاني يرتبط بالعلاقات الاجتماعية التي تحتاج إلى رسم مرحلة تعاون مختلفة، على الأخص بين صغار المنتجين أو حتى بين الأسواق المحلية والمستهلكين، وهذه العلاقة اليوم هي استجابة فقط لحالة التضخم.
أقرأ المزيد: الحلول المتناثرة..
خلال السنوات القليلة الماضية حاولت الدولة دفع تجربة الإدارة المحلية باتجاه جديد، وما حدث أن جهاز هذه الإدارة بقي ضمن المساحة الضيقة التي كانت قبل الأزمة، واقتصر دوره على خدمات اعتيادية دون أن تدخل “مجالس المدن” في دور يختلف عن البلديات، فإنشاء حالة تعاونية على مستوى الأحياء، أو خلق ترابط مع الأسواق المحلية بقي بعيدا عن تجربة الإدارة المحلية.
الإنتاج في سورية مستمر لكنه لم يعد يخدم الترابط الاقتصادي – الاجتماعي، بل يتحرك بعيدا عن أي جهد تعاوني يحتاج إلى رسم مختلف لا ينظر إلى المواطنين كمستهلكين فقط بل كمشاركين في إعادة تشكيل الأسواق الداخلية.