أزمة سورية الاقتصادية تستند إلى هشاشة سياسية لا تنتمي إلى زمن الأزمة.
هاشتاغ-رأي-مازن بلال
فرغم أن الحرب عمقت من العوز المعيشي للمواطنين، إلا أن التعثر الاقتصادي بدأ عملياً مع محاولات التغيير أو ما سمي في زمنه بالتطوير والتحديث، فالتحولات الاقتصادية التي قادت إلى “اقتصاد السوق الاجتماعي”؛ كانت نوعاً من البحث عن إنعاش في ظل بيئة سياسية لا تستطيع خلق تطور لأي سياق اجتماعي.
في زمن الحرب تحولت الأمور سريعاً مع استنزاف موارد الدولة، وفقدان سورية للمنتجين الصناعيين بالدرجة الأولى، ومؤشرات الانهيار الاقتصادي عمقتها الحرب بما حملته من تدمير وخروج مناطق واسعة عن سيطرة الدولة، وفي المقابل فإن العقوبات الاقتصادية أربكت آلية البحث عن حلول، رغم أنها ضمن السياق محفز للبحث عن مخارج للأزمات المتلاحقة خلال سنوات الحرب، فالاقتصاد السوري الذي ظهر ضمن حالة نمو قبل عام 2011 كان يطفو على مساحة سياسية غامضة كلياً.
عملياً فإن الاتجاه اليوم هو انتظار متغير سياسي يكسر آلية العقوبات، كما حدث في مشروع نقل الغاز والكهرباء إلى لبنان، أو احتمالات الانسحاب الأمريكي في شمال شرقي سورية؛ لكن أي تغيرات محتملة تحمل معها أمرين:
-الأول وجود معطى سياسي مستجد، فخط الغاز العربي كمثال واضح يحمل معه طبيعة علاقات مختلفة عما كانت عليه قبل 2011، فهو تعطيل لعقوبات أمريكية لصالح تقنين المسارات السياسية التي يمكن أن تقود لعلاقات عربية – سورية.
بالتأكيد هناك تحولات نشهدها حاليا ضمن محيط الأزمة السورية، وهو أمر لن ينعكس بالضرورة على الواقع الاقتصادي السوري، فالانفراجات الحقيقية ستحدث مع ظهور البيئة السياسية لما بعد الأزمة، بينما تبقى المتحولات الإقليمية شأناً ضمن الضرورات التي لا تخص عملية الإنتاج السورية، وأزمة معيشة المواطن ستنهيها الحالة الاقتصادية التي تحتويها حالة سياسية مستدامة تنهي عدم القدرة على رسم آليات اقتصادية راسخة.
-الثاني التغيرات المحتملة قد تعيد سيطرة الدولة على الموارد من جديد، كما حصل سابقاً بعد تجرير العديد من المناطق السورية، لكن هذه الموارد ستدخل أيضاً ضمن الشرط السياسي لأي متغير، مثل الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية، حيث ستبدو الصورة مجرد انتشار لقوة الدولة بوجود جميع المخاطر التي كانت موجودة سابقاً.
لا تحدث المتغيرات بشكل تلقائي لأنها نتيجة توازنات جديدة، فمشكلة موارد الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المختلفة وجودها في بيئة تحولت جذرياً منذ 2011، ومن الصعب أن نجد ممكنات لإعادة الاستثمار في الجزيرة السورية كما كان عليه قبل الحرب، فهناك تحولات ديمغرافية فرضتها الأزمة، ومعطيات سياسية تكرست طوال العقد السابق.
أزمة معيشة المواطن باتت مركبة أكثر من أي وقت مضى، وهي لم تعد مرتبطة بعامل الإصلاح، بل بقدرة السياسة على ترتيب بنية يمكن خلق هوية اقتصادية، فضمن هذه الهوية يمكن رسم آليات مختلفة تعتمد على قاعدة سياسية تجمع مصلحة سورية من جديد.