هاشتاغ سوريا _ مالك معتوق
بعدما دفع الناس في سورية فاتورة باهظة، في سني الحرب، التي عصفت بالبلاد والعباد منذ الخامس عشر من آذار 2011، اضطر كثير من الناس فيها تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الخانقة، والارتفاع الجنوني لتكاليف المعيشة، وتدهور الأجور، وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية، إلى التفريط في جنى العمر وإنفاق مدخراتهم، وبيع ما حفظوه للقاتم والقادم من أيامهم.
صورة مقربة..
كانت “أم ياسين” تروح وتغدو على رزق عيالها، تنظف بيوت الموسرين في دمشق، حتى تغيرت أوضاعها وأوضاع اطفالها، حين داهمتها جلطة دماغية أفقدتها بصرها جزئياً، وجعلت من حركتها كحركة طفل يتعلم المشي.
منزلها المستأجر في “السيدة زينب”، بريف دمشق، هو عبارة عن غرفة واحدة صغيرة، هاربة عن وجه الأرض، قبو في حارة من حواري الحي، الذي يلفه الفقر بين ذراعيه.. تأكل وعيالها فيها، وفيها ينامون، وعلى ناصية الغرفة حمام كعلبة كبريت يضم مرحاضاً بداخله.
الحياة هنا في هذا البيت قاسيه، والجوع والقهر هما الوجبة اليومية للمرأة التي أقعدها المرض عن إطعام عيالها، وبين الجدران المتهالكة المسماة منزلاً، قد يصبح العالم كل العالم لا يساوي بطانية ورغيف خبز.
من الجمل إدنه
تقول أم ياسين: “كنت اشتغل لفاية “خادمة” بالبيوت وكان الله ساترها، لكن بسبب مرضي فقدت مصدر رزقي الوحيد. وباتت المصيبة هي تأمين آجار هذا البيت، القعود عن العمل ليس حلاً لنا نحن الفقراء”.
وفي ردها على سؤال إن كانت تتلقى أية مساعدات إنسانية من منظمات أو جمعيات أهلية؟ تسرق أم ياسين ابتسامة وتقول: “من الجمل إدنه”. وتضيف: “أين المسؤولين أين هم ليروا حالنا؟”
لا مبادرات ولا من يحزنون..
تغيب في السيدة زينب المبادرات المجتمعية، وإن حضرت فهي خجولة، عدا عن ذلك فلا مساعدات مالية ولا سلال غذائية للمحتاجين ولا من يحزنون، وإن وجدت فتخضع للوساطات والمحسوبيات، وتوزع على المعارف وان لم يكونوا من المستحقين، وهو ما يزيد طين الأسر الأكثر فقراً بلة، فقد تدهور الحال الاقتصادي العام للبلاد بفعل الحرب والحصار وزاد معهما عدد الفقراء والمحتاجين.
يقول نبيل عطية وهو أحد النشطاء الاجتماعيين في السيدة زينب لـ”هاشتاغ سوريا”: “هناك من يتبرع ويقدم المساعدات المادية والعينية ممثلة بالسلال الغذائية للفئات الأكثر فقراً” مؤكداً أنه وآخرون “يشكلون حلقة الوصل بين بعض الموسرين أو الأثرياء في المنطقة وبين المحتاجين، إلا أن ذلك لا يشكل حالة عامة، فهناك من يعطى ويساهم بدافع ذاتي للمساعدة، وهناك من لسان حاله ما دخلنا فخار يكسر بعضه”.
خط أحمر ولكن..
عندما نقرأ التقرير الذي صدر في جنيف عن الأُمم المتحدة، الذي جاء فيه أن ما ينفقه الأميركيون سنوياً لإطعام حيواناتهم الأليفة يكفي لتزويد العالم بِأسره بالمياه، وتأمين نظام صحي لِلجميع، بينما تتباكى الحكومة الأميركية على السوريين في وقت تحاصرهم بقيصر وغير قيصر نفهم ماذا تعني كلمة نفاق.
وعندما يصر المسؤولون السوريون على أن لقمة عيش المواطن خط أحمر دون أن يؤمنوا لَهم أي مقوم من مقومات الحياة. وكأنهم غير معنيين بواقع مئات الآلاف من السوريين الذين يعانون غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية والباحثين عن الخلاص من البؤس الذي يعيشونه أملاً في حياة كريمة.
وتستمر الحكاية.. فنقرأ ونسمع ونرى كل يوم وحتى اليوم عن مآسي كثر وكثيرات ممن يشبهون ام ياسين، الذين لم يتبق لهم سوى الدعاء.. اللهم اجعل خبزنا كفاف يومنا!!
يذكر أن سورية من البلدان التي تم تصنيفها في عام 2010 بين الدول المحققة لأهداف الألفية العشرية للأمم المتحدة في مجال “القضاء على الفقر”، وبعد عشر سنوات من الحرب والحصار الاقتصادي، أطلق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تحذيراً في آب الماضي، من ارتفاع عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي في سورية إلى 9.3 مليون شخص، لا يتلقون أية مساعدة عاجلة. مشيراً إلى أنه من الممكن أن يرتفع العدد لينزلق أكثر من 2.2 مليون إلى حافة الجوع والفقر.