هاشتاغ _ ريم صالح
“عدم خلط الرياضة بالسياسة” كان شعاراً للفيفا، ولعل ماحدث سابقاً ومايحدث في مونديال قطر حالياً، وما يشوبه من أحداث، يوضح بأن السياسة في قلب الرياضة؛ فمتى تخدم الرياضة سياسات البعض، فأهلاً بهذا الخلط، ومتى ما تنافت مع مصالحهم، تظهر إلى الواجهة القاعدة القانونية “لا سياسة في الرياضة”.
قرار سياسي
“الفصل بين الرياضة والسياسة صعب جداً، كثير من السياسيين يستثمرون عامل الرياضة، باعتبارها نقطة جذب للجمهور لأغراض سياسية”، وفقا لكلام د.بسام أبو عبد الله، الباحث في العلاقات الدولية.
ويسأل أبو عبدالله في حديثه ل”هاشتاغ”: “كيف يمكن أن تحصل قطر على حق استضافة كأس العالم، وهي بحجمها ومساحتها وموقعها وماضيها بكرة القدم، غير مؤهلة لذلك”.
ويؤكد الباحث “على ما يبدو هناك قرار سياسي دولي، لإظهار قطر بمظهر نقطة التقاء الإنسانية ومختلف الثقافات، ربما لمحو سوداوية موقفها، فيما يتعلق بالإرهاب ودعم التطرف”.
علاقة جدلية
الكاتب والصحفي عبد الحميد توفيق وفي معرض حديثه ل”هاشتاغ” قال: “السياسة كمفهوم تعرف بأنها العلم الذي يضع كافة إمكانيات وموارد القطاعات الأخرى بدون استثناء لخدمة أغراضها، لذا فإن العلاقة بين الرياضة والسياسة علاقة جدلية تبرز أحياناً وتخفت أحياناً أخرى”.
وأضاف توفيق: “لا يمكن أن تمر مصافحة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في افتتاح مونديال قطر، مرور الكرام، المصافحة لم تكن عبثية وهذا الأمر مرتب له، لكسر كل القوالب الجامدة، التي كانت تمنع عودة الروح لتلك العلاقات”.
وتعد كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى، مختبراً لصناعة السياسة، حتى وإن ظل الفيفا يدّعي عكس ذلك في العلن.
منصة للمطالب السياسية
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، انطلق مونديال قطر في النسخة 22 لكأس العالم، النسخة التي ربما تكون الأكثر جدلاً في التاريخ، وسط انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان، والعمال المشاركين في تشييد البنية التحتية، وانتقادات أخرى تتعلق بحقوق “مجتمع الميم.”
يأتي ذلك بالرغم من تأكيد قطر المستمر، بأن الجميع مرحب به، وأن المونديال هو بطولة رياضية، لا يجب تحويلها إلى منصة للمطالب السياسية.
تدخلات سياسية
وبالتزامن مع تقارير عدة لمنظمات حقوقية ودولية، دخلت قطر في صراع مع عدة دول، حاولت فرض ارتداء شارة لدعم المثليين في المونديال.
وقبل بدء المونديال بساعات عدلت 7 دول عن قرارها في ارتداء الشارة، بعدما لوح الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، بعقوبات رياضية.
وظهر بشكل جلي خلال المونديال تدخلات السياسيين في قضية دعم المثليين، فأكد وزير الرياضة البريطاني ارتداء شارة الدعم في مباراة إنكلترا وويلز اليوم.
كما ارتدت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، شارة “حب واحد”، أثناء حضورها المباراة الافتتاحية لمنتخب بلادها، كما أقحم لاعبو ألمانيا أنفسهم في هذه القضية، معبرين عن احتجاجهم من خلال الصورة الرسمية لهم، حيث قاموا بوضع أيديهم على أفواههم.
وظهرت أيضاً وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب، وهي ترتدي الشارة على ذراعها، أثناء تواجدها لمتابعة منتخب بلادها أمام كندا.
كما ظهرت رئيسة الوزراء الدنماركية هيلي ثونينغ شميت، وهي ترتدي ثوب بأكمام ملونة بألوان قوس قزح، خلال مواجهة منتخبها، لنظيره التونسي.
إزدواجية الغرب
وهو ما أشار إليه د.أبو عبد الله في حديثه، وقال: ما تواجهه قطر أظهر ازدواجية معايير الغرب، ففي الوقت الذي دعموا فيه قطر في استضافة المونديال، هاهم يحاولون فرض أجنداتهم التي تخص المثليين.
وأكد توفيق، بأنه لابد للزوار احترام قوانين البلاد وخصوصيات المجتمع، فليس من المقبول فرض حالة شاذة على مجتمع سليم.
عمال غير مجبرين
وعن قضية العمال قال توفيق: عمال قطر لم يأتوا مجبرين، فهم يعرفون ظروف العمل والمناخ، وتقاضوا الأجور التي اتفقوا عليها، وكما هو معروف من يعمل عدد ساعات أكثر يكون موافق على ذلك، ونظام “over time” يعمل به العمال في الخليج العربي، لتوفير ما أمكنهم من دخل إضافي.
الرسالة المضادة
وعن الرسائل السياسية في مونديال قطر قال أبوعبدالله : جاء المونديال حجة للتطبيع مع “إسرائيل”، من خلال إدخال 50 ألف إسرائيلي إلى قطر ودخول وسائل الإعلام العبرية، لم تحصل هذه الرسالة، بل الرسالة المضادة هي التي حصلت، وكانت فلسطين عنوان في هذا المونديال.
وأضاف: رفضت الجماهير العربية الحديث مع وسائل الإعلام العبرية، وعلى عكس المخطط له وجدت وسائل الإعلام هذه نفسها معزولة عن العالم، وهذا أظهر أن التطبيع هو مع الأنظمة وليس مع الشعوب.
بوابة للقاء
وتعيد المباراة المرتقبة بين إيران وأمريكا مساء اليوم، إلى الأذهان المباراة التي جمعتهما في مونديال 98، بمشاهد الاحترام المتبادل بين لاعبي هذين البلدين المتعادين بالسياسة.
وهذا ما أشار إليه أبو عبدالله حينما قال: تكون الرياضة أيضاً بوابة للقاء بين الدول، فالتواصل الأمريكي الصيني في سبعينيات القرن الماضي، بدأ بدبلوماسية “البينغ بونغ”.
محاربة سياسية في المونديال
حوربت سياسياً في مونديال قطر العديد من الدول، إيران كمثال، حيث بدأت الحملة عليها مبكراً، قبل بدء النهائيات.
وجاءت هذه الحملة، على إثر التظاهرات التي ضج بها الشارع الإيراني، احتجاجاً على مقتل مهسا أميني في أيلول/سبتمبر الماضي. والتي شهدت أيضاً مقتل 450 شخصاً منذ بدايتها، إضافة إلى اعتقال 18 ألف شخص، وفقاً لنشطاء في حقوق الإنسان في إيران.
وفي حركة “تضامنية”، عمل اتحاد الكرة بأمريكا، على نشر علم إيران بدون شعار “دعماً للمحتجين”.
كما طالبت كل من أوكرانيا وإيطاليا ومجموعة أوبن ستاديومز الحقوقية في وقت سابق، استبعاد إيران من بطولة كأس العالم، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث هناك.
حرمان روسيا
ولم تكن روسيا، منظمة النسخة السابقة من كأس العالم عام 2018، بمنأى عن تأثيرات إقحام الرياضة بالأمور السياسية، والتي وصلت إلى حد منعها من المشاركات الدولية، كرد فعل على الحرب الروسية الأوكرانية، بقرار من الفيفا.
وعليه فإن منتخب روسيا، لم يتمكن من المشاركة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2022، كما لن يتمكن من لعب جولة التصفيات المؤهلة، لنهائيات كأس الأمم الأوروبية 2024.
“دعونا نصدمهم”
رسالة سياسية أخرى عبرت من خلال مونديال قطر، حينما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن لمنتخب بلاده: “دعونا نصدمهم جميعاً”، في إشارة إلى منتخبات المجموعة.
“لا تنازل”
كما أقحم المنتخب الصربي السياسة في مونديال قطر، بعد أن قام بتعليق علم مثير للجدل في غرفة تبديل الملابس.
ويصور العلم المذكور، كوسوفو، ضمن خريطة صربيا وعليه عبارة تقول “لا تنازل”، في محاولة لإيصال رسالة إلى الحكومة التي يقودها الألبان في كوسوفو، الأمر الذي اضطر الفيفا لاتخاذ إجراءات تأديبية، ضد اتحاد صربيا لكرة القدم.
مقاطعة فرنسية
كما دعت فرنسا قبل أسابيع قليلة من بداية مونديال قطر، إلى مقاطعة كأس العالم. مقاطعة سياحية بعدم ذهاب المشجعين لحضوره، ومقاطعة سياسية بعدم حضور السياسيين الفرنسيين، ومقاطعة مرئية بعدم مشاهدة المونديال عبر التلفزيون.
وفي هذا السياق، اتخذت بلديات فرنسية كبيرة كمدن، باريس وليل ومارسيليا وستراسبورغ وليون، قرار عدم بث مباريات كأس العالم في الساحات العامة لهذه المدن، كما كانت تفعل دائماً.
وما بين الماضي والحاضر، أحداث كثيرة تؤكد أنه ونظراً لأهمية كأس العالم، تظهر فيه تصرفات تؤكد عمق التوظيف السياسي الذي يقوم به البعض للرياضة.
وتعد المحطات التالية، أبرز اللحظات التي شهدت حضور السياسة في ميدان الرياضة، خلال بطولة لكأس العالم:
في مونديال 1938، استضافت فرنسا النسخة الثالثة من كأس العالم، وفي 12 حزيران/يونيو، واجهت إيطاليا في ربع النهائي، ارتدى الطليان قميصاً أسود شبيهاً بقميص نظام موسوليني، ووجّهوا تحية فاشية إلى 60 ألف متفرج، رد الجمهور حينها بصافرات الاستهجان أثناء النشيد الإيطالي.
وفي مونديال 1974، تواجه الأشقاء الأعداء من ألمانيا الغربية والشرقية الاتحادية في هامبورغ، غرباً، على ملعب “فولكس بارك” الذي غصّ بالجماهير، في خضم الحرب الباردة، جسدت تلك المباراة التوتر بين الطرفين.
وفي مونديال 1986، تواجهت الأرجنتين وإنجلترا في ربع نهائي مونديال المكسيك، بعد أربع سنوات من حرب جزر فوكلاند، التي خلفت 649 قتيلاً أرجنتينياً و255 بريطانياً.
كانت الأجواء متوترة، ورفع المشجعون الأرجنتينيون لافتات تقول “جزر فوكلاند أرجنتينية”، وأنشدوا أغان قومية تدعو إلى “قتل الإنجليز”، اندلعت اشتباكات بين ألتراس المنتخبين، ما أسفر عن عشرات الإصابات التي تراوحت بين طفيفة وخطيرة.
في مونديال 2018، واجهت صربيا سويسرا، التي تضمّ في صفوفها العديد من اللاعبين من أصول كوسوفية.
وسجّل كل من غرانيت تشاكا المولود في سويسرا لعائلة كوسوفية، وجيردان شاكيري المولود في كوسوفو، هدفين.
احتفل اللاعبان بهدفيهما من خلال التوجه نحو المشجعين الصرب، ووضع يديهما على صدريهما بشكل معاكس، راسمين شارة “النسر المزدوج” الأسود اللون، رمز ألبانيا الذي يتوسط علمها الأحمر، ما أثار سخط الصحافة الصربية التي نددت “باستفزاز مخز”.
وهكذا، لطالما كانت السياسة تُفسد، وكان المأمول أن تصلح الرياضة ما تفسده السياسة، إلا أنه وعلى أرض الواقع، كثير من الرسائل السياسية يُعتمد في إيصالها على الرياضة، وبالمقابل كثير من الأحداث الرياضية، تستخدم في خدمة الأجندات السياسية.