الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرفرص السياسة المتعثرة

فرص السياسة المتعثرة

هاشتاغ _ مازن بلال

شيعت دمشق يوم الجمعة المحامي عصام المحايري الرئيس الأسبق للحزب السوري الاجتماعي، وبرحيله ينتهي آخر نموذج سياسي من عصر الاستقلال.

في نفس الوقت فإن المراحل السياسية التي عايشها الأستاذ المحايري تطرح مأزق السياسة المستمر منذ مراحل الاستقلال الأولى.

فالأزمة السورية الحالية يصعب ربطها بآليات السياسة التي تبلورت في مراحل الاستعمار الفرنسي، لكنها في العمق حلقة من سلسلة الإخفاق السياسي التي يمكن قراءتها منذ الصراع لإقرار الدستور وصولا إلى اللجنة الدستورية.

عمليا فإن ما يمكن استرجاعه في سيرة السياسي عصام المحايري لا ترتبط بشخصه إنما بالنموذج الخاص برجل السياسة، وعلى الأخص في مراحل التأسيس التي تجلت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي.

وأما ما يمكن النظر إليه في عمل المحايري أنه ربما يكون الوحيد من أبناء جيله الذي استمر في العمل السياسي لمراحل متأخرة؛ وهو ما يشكل صورة متكاملة لطبيعة هذا العمل الذي لم يتبدل في جوهره رغم كافة التجارب التي خاضها المجتمع طوال سبع عقود.

يشبه المحايري معظم النخب السياسية التي عاصرها أو حتى التي سبقته أو كانت لاحقة له بأمرين أساسيين:

الأول هو نوعية نظرة النخب السياسية لنفسها على أنها رجالات التحول الاجتماعي، فحتى لو كانت هادئة وشفافة ومتزنة لكن برنامجها السياسي يستند إلى حالة جذرية حاده تشبه إلى حد بعيد العقائد الكبرى.

سواء كان الحديث عن عصام المحايري أو عن مؤسسي الأحزاب السورية أنطون سعادة أو خالد بكداش أو حتى ميشيل عفلق، فهناك مهمة انعطاف حادة للنخب السياسية سواء ببعث النهضة القومية أو بإنجاز دكتاتورية الطبقة العاملة أو بتحقيق التحول الاجتماعي، وهذا الأمر لا يشكل برنامجا سياسيا بقدر كونه عصبية تجمع النخب.

هذه النظرة للدور السياسي تدفعنا بسرعة نحو الشعارات التي ظهرت في بداية الأزمة، وكانت بنفس الحدية رغم من صعدوا خلالها لم يكونوا من أصحاب العقائد، لكن آلياتهم السياسية لم تختلف عن بداية العمل السياسي في المراحل المبكرة، وربما كانت بدايات النخب السياسية مقدمة للأزمة الحالية.

الثاني يمكن رؤيته في مسيرة عصام المحايري سياسيا التي تشبه إلى حد كبير باقي النخب السياسية، سواء بالاعتقال أو بالفشل في الحفاظ على بنية سياسية متماسكة فظهرت الانشقاقات، وفي النهاية إلى عدم القدرة على تأسيس قاعدة صلبة على المستوى السياسي.

ينطبق هذا الأمر على الاضطراب الذي حدث في 2011 حيث فشلت السياسة في تشكيل كتلة حرجة، فيما نجحت قوى التطرف في الإمساك بكافة المفاصل؛ ما أدى في النهاية إلى ظهور مجموعات سياسية تستمد شرعيتها من دعم القوى الدولية والإقليمية.

فرص السياسة المتعثرة تحتاج لقراءات مفصلة في طبيعة النخب السياسية، وعندما يدفعنا رحيل عصام المحايري للنظر في هذا الموضوع، فإن الأمر أبعد ما يكون عن “شخصنة” القراءة، بل لمعرفة التفاوتات التي خلفتها النخب بغض النظر عن توجهاتها مع ما نشهده اليوم.

فالمسألة ليست درسا تاريخيا بقدر كونها محاولة لوضع التاريخ السياسي وفق قياس علمي.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة